تتبعنا في المبحث الأول عمل عبد القاهر في الأسرار والدلائل محاولين تلمس خطواته مستكشفين بمفصلات نسفه. وقد منا كل ذلك من خلال خطاطات متكاملة تعطي تصوره النهائي للمكونات البلاغية. وهذا المبحث كالحاشية المساعدة علي فهم ذلك النسق. نتناول فيه مجموعتين من القضايا:-
1) إجراءات واقتراحات. 2) الوظيفة الشعرية.
1) إجراءات واقتراحات:
نتناول في الإجراءات 4 عمليات كبري نعتبرها دعائم لبلاغة الجرجاني وعلاقة عليها:
1) إقصاء الأصوات والمفردات.
2) تأويل اللفظ إلي صورة للمعني وتقييده بالنظم.
3) البناء علي المتحقق من الجمل والصور.
4) النقل والادعاء.
1/ إقصاء الأصوات والمفردات:
ظل هناك عنصراً ثانياً لم للحقه التحول إلا في اتجاه التدعيم والتقوية، وهو موقف المؤلف من اللفظ المنطوق المسموع في تجلياته الكبرى: التجنيس والسجع والوزن عامة وقد عالج المؤلف هذه القضية في الدلائل والأسرار.
2/ تأويل اللفظ (اللفظ صورة المعني)
أحالنا الجرجاني صراحة وضمناً إلي بعض الفحول القدماء الذين أساء المتأخرون منهم غرضهم من اللفظ منهم أبن منية والجاحظ وترددت عنده صورة الداء الذي يستعصى عن الدواء، والجهل المتمكن وما إلي ذلك من اللغات التي تبين قوة المقاومة التي يبديها أنصار اللفظ.
3/ من الجملة إلي النص: البناء علي المنجز
لقد عولجت هذه القضية في (الدلائل) من زاوية النظم وعولجت في الأسرار من زاوية تناس التشبيه والمجاز ولذلك سنتناول هذه القضية تحت عناوين:
أ) البناء علي الجملة: تقديم التمفصل الدلالي.
ب) البناء علي الصور البلاغية: ألتناسي.
4/ من النقل إلي الادعاء (النقل المفيد والغير مفيد) كما فرق الجرجاني بين الاستعارة والتشبيه من زاوية التصريح والإخفاء، فرق أيضاً بين الاستعارة ومطلق المجاز من زاوية الانتماء إلي البديع أو عدم الانتماء إليه. وقد لاحظ الجرجاني خلط اللغويين في استعمال الاستعارة استعمالا عاماً يتسع لكل صور النقل، وانتهي إلي القول {الصواب أن تقصد الاستعارة علي نقله التشبيه للمبالغة، لأن هذا نقل يطرد علي حد واحد، وله قواعد عظيمة ونتائج شريفة فالتفضل به علي غيره في الذكر وتركه مغموراً فيما بين أشياء ليس لها في نقلها مثل نظامه ولا مثل فوائده.
الادعاء: التحول:
الاستعارة عند الجرجاني: (ادعاء معني الاسم، لا نقل الاسم عن الشيء) وهذا يعني أن كلمته تبقي علي انتمائها لأصلها الحقيقي، وترتبط بالمعني المجازي عن طريقة الادعاء الذي تترجمه عبارات مثل (جعل) أي (جعله أسداً) أي ادعي له الأسدية فلقد كان القول بالبناء علي الصورة وتوسيع مجالها عن طريقة ألتناسي والادعاء، وهذا المنحي الذي قادت إليه التجربة الشعرية الجديدة في العصر العباسي يجافي القول بالنقل المعتمد في بناء العلاقة الاستعارية في الأسرار.
الوظيفة الشعرية:
نطل علي هذه القضية من موقفين متقاطعين يمكن اعتبار أحدهما امتداد للآخر: لذة معرفة ولطف المفارقة من جهة والهمس الشعري وإحراجات الصدق والكذب من جهة ثانية.
وعن لذة المعرفة أم لطف المفارقة:-
من البديهي أن الوظيفة تظهر جلية في الصور الأكثر كمالاً من أيه ظاهرة وتلبي في الصورة الباهتة الملتبسة ويرجع نعت هذه الأمور إلي التأثير العاطفي والاحتجاج العقلي، والعلة والسبب يفسر فها لذة المعرفة ولطف المفارقة.
أما من وضوح الدلالة إلي أمرين:-
1) أخذ الصورة علي وجه الإجمال لا التفصيل، لأن إدراك الجملة أسبق إلي النفس من التفاصيل.
2) كون المعني أو الشيء المتصل به متداولاً متردداً علي الأبصار والأذهان.
وتحدث عن استخلاص وظيفة الشعر من القمة وهي من أعلي درجات التركيب المجنل الموهم في التمثيل والتخيل، ويعتبر في مفاهيمنا الحديثة موفقاً طلائعياً يتعامل مع آخر الانجازات الشعرية المتضمنة لوعي الشعر لذاته.
الفصل الثالث: بلاغة الصحة والتناسب:
المشروع والمنجز من الأصوات إلي المعاني:
الأرضية المنهاجية: في معاناة تحديد موضوع الفصاحة ومجالها ووظيفتها كشف ابن سنان عن المتخفي وراء أية عملية علمية تنظيرية تطمحع إلي السمو إلي مستوي التفسير لقد فهم أن علمنه موضوع ما هي عملية تكثيف متوالية تنتهي إلي تجريد خصائص مشتركة من شتات الظواهر الملاحظة.
¥