تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هو عبد الله أبو الحسن الرماني الإخشيدي الوراق الرماني، ولد الرماني سنة ست وتسعين ومائتين للهجرة ببغداد أو سامراء، وشغل بطلب العلم وتحلق في حلقات شيوخ عصره مثل أبي بكر ابن دريد، وأبي بكر السراج. والزجاج. وغيرهم من أساتذة اللغة والنحو، ولكن يبدو أن أكثر شيوخه أثرا في نفسه وفي علمه هو الإخشيد المتكلم المعتزلي المشهور في عصره. يقولون إنه تخرج على يديه وكان له أثره البارز في حياته وعلمه حتى لقب بالإخشيدي نسبة إليه من كثرة ملازمته له عنه وتبنيه لآرائه.

يقول أصحاب التراجم إنه كان واسع الاطلاع، غزير العلم، متقنا للأدب وعلوم اللغة والنحو لذلك لقبوه: بالنحوي، شيخ العربية، صاحب التصانيف، ووضعوه في طبقة أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي.

ولم تقف اهتمامات الرماني العلمية عند حدود اللغة والنحو - أو علوم المنطق = والفلسفة والنجوم بل تعدت ذلك إلى العلوم الدينية .. علوم القرآن والحديث والفقه، وألف فيها مصنفات كثيرة. وتظهر مكانة الرجل العلمية فيما ذكره عنه معاصروه ومترجموه، يقول أبو حيان التوحيدي: "إنه لم ير مثله قط، علما بالنحو، وغزارة في الكلام، وبصرا بالمقالات، واستخراجا للعويص، وإيضاحا للمشكل مع تأله وتنزه ودين ويقين، وفصاحة وفقه، وعفاف ونظافة " توفي (386هـ)

من أهم مؤلفاته النكت في إعجاز القرآن: وهي رسالة علمية بليغة طبعت ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن - بدار المعارف بمصر-. وستكون محور دراستنا لتوضيح مفهومه للإيجاز في الإعجاز القرآني.

حدد لنا الرماني مفهومه للإعجاز القرآني في رسالته (النكت في إعجاز القرآن) وهي رسالة أدبية بلاغية قيمة، تعكس لنا تخصصه العلمي، ومنهجه الاستدلالي التحليلي، في توصيل أفكاره ورؤاه.

فهو يقرر في فاتحة رسالته، أن وجوه إعجاز القرآن تظهر من سبع جهات:

ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة. والبلاغة.، ونقض العادة وقياس بكل معجزة.

ولما كان الرماني من علماء اللغة البارزين - في عصره - فقد خص الجهة البلاغية من رسالته بجانب كبير: فذكر أنها ثلاث طبقات:

منها ما هو في أعلى طبقة. ومنها ما هو في أدنى طبقة. ومنها ما هو في الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة.

البلغاء من الناس ثم يعرف الرماني مفهومه للبلاغة قائلا: إنما البلاغة؛ إيصال المعنى إلى القلب في حسن صوره من اللفظ، فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن، ولقد حصر الرماني البلاغة القرآنية فجعلها في عشرة أقسام. هي: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان.

خصص لكل قسم منها بابا على حدة أبرز فيه سماته البلاغية وأدق خصائصه

فالإيجاز: في نظره تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى، فإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة، ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة، فالألفاظ القليلة إيجاز، وكدأبه دائما يجنح إلى التقسيم، فيقول: والإيجاز على وجهين: حذف وقصر.

فالحذف: إسقاط كلمة جزاء عنها بدلالة غيرها من الحال، أو فحوى الكلام.

والقصر: بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.

فمن الحذف: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (1) ومنه {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} (2) ومنه {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}. (3)

ومنه {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}.

كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير.

وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب. ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب أبلغ من الذكر.


(1) يوسف آية 82. (2) البقرة آية177. (3) محمد آية 21.

وأما الإيجاز بالقصر:
فهو أغمض من الحذف، وإن الحذف غامضا، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع والتي لا يصلح، فمن ذلك {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} ومنه {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} ومنه {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُس} ومنه {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} وهذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير