النّشر وعرض المعلومات بطرق تجمع بين السّهولة وتحقيق السّرعة.
تطور كتابة الفقه الإسلامي:
مرّ الفقه الإسلاميّ في رحلة تدوينه بأطوار مختلفة تشبه أطوار تكوينه , ولا يتّسع المجال لأكثر من الإشارة إلى أنّه بدأ ممتزجًا بالسّنّة والآثار , ثمّ ظهر في صورة الأمالي والمسائل والجوامع المهتمّة بالصّور والفروع أكثر من المبادئ , ثمّ تلا ذلك تأليف المدوّنات وأمّهات الكتب المبسوطة الّتي حفظت بها المذاهب من الاندثار , وقد آل التّصنيف في الفقه بعدئذ إلى عرضه بأسلوب علميّ شديد التّركيز , متفاوت التّرتيب , مستغلق العبارة لغير المتمرّس , وظهرت (المتون) الّتي استلزم إيضاحها وضع (الشّروح) وتعليق (الحواشي) على نمط صعب لا تكمل الفائدة منه إلّا للمتخصّص , بل ربّما تنحصر خبرة الفرد بمذهب دون آخر , لما تعارف عليه أهل كلّ مذهب , في دراسته والإفتاء به والتّأليف فيه , من أصول ورموز واصطلاحات , بعضها مدوّن في مواطن متفرّقة , وبعضها لا يدرك إلّا بالتّلقين والتّوقيف عليه.
والغرض هنا الإشارة إلى ظهور بعض المؤلّفات المطوّرة في عرض الفقه تشبه الموسوعة - إذا غضّ النّظر عن قضيّة التّرتيب , على أهمّيّتها - لاشتمالها على بعض خصائص الكتابة الموسوعيّة كالشّمول وإطلاق البحث عن التّقيّد بإيضاح كتاب , أو منهج تدريس , أو طاقة الفرد العاديّ. . . والأمثلة على ذلك كثيرة في الكتب الّتي تجمع في صعيد واحد ما تفرّق في غيرها من المؤلّفات , وتعنى بما كان يسمّى: علم الخلاف (مقارنة المذاهب) وتجرى على أسلوب البسط والاستيفاء لكلّ ما يحتاج إليه بحسب تقدير المؤلّف. . لكنّ تلك الأشباه الموسوعيّة كانت جهودًا فرديّةً (أو شبه فرديّة حين تخترم المنية المؤلّف فيأتي من يضع تكملةً لكتابه) والنّزر اليسير منها كان جهدًا جماعيًّا وغالبه ثمرة اهتمام أولي الأمر اقتراحًا , أو تشجيعًا , أو تبنّيًا واحتضانًا.
ومن الأمثلة للجهد الجماعيّ في المؤلّفات الفقهيّة الجارية مجرى الموسوعات: الكتاب المعروف في الفقه الحنفيّ بالفتاوى الهنديّة , والّذي اشترك في إنجازه (23) فقيهًا من كبار علماء الهند بطلب وتمويل ملكها (محمّد أورنكزيب) الملقّب: " عالم كير " أي فاتح العالم , ولذا سمّيت " الفتاوى العالمكيرية ". ويجري على هذا المنوال من حيث تحقّق بعض أهداف الموسوعة بالرّجوع إليها والاعتماد على ما فيها: المختارات التّشريعيّة الفقهيّة الّتي كانت مثابةً للقضاة والمفتين بالالتزام فضلًا عن الإلزام , كمجلّة الأحكام العدليّة المعروفة والّتي وضعتها لجنة من الفقهاء بتكليف من الخلافة العثمانيّة , وكان بين أعضائها الشّيخ علاء الدّين بن عابدين (نجل صاحب الحاشية المشهورة في الفقه الحنفيّ). ويقاربها في الذّيوع ثلاثة كتب للعلّامة محمّد قدري باشا مصوغةً كقوانين مقترحةً (وهي مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان , والأحكام الشّرعيّة في الأحوال الشّخصيّة , والعدل والإنصاف في أحكام الأوقاف) تلك الكتب الّتي يورد بعض الكتّاب احتمال أن يكون مؤلّفها قد أعانه عليها قوم آخرون , بالرّغم من أهليّته العلميّة الّتي لا يستغرب معها نهوضه بهذا العمل وحده , وهو ممّا ينوء به الأفراد.
ولا يتّسع المقام للإفاضة في هذا الموضوع وضرب الأمثلة الكثيرة عليه , فهو ممّا يعني به علم وصف الكتب (الببليوغرافيا) وما كتب في تاريخ الفقه والتّشريع , والدّاخل إلى الفقه ومذاهبه وسير الأئمّة وطبقات الفقهاء.
تاريخ الموسوعة الفقهيّة:
إصدار الموسوعة الفقهيّة أمل إسلاميّ قديم ومتجدّد , فقد تطلّع إلى ذلك كثير من المهتمّين بنهضة الأمّة الإسلاميّة , على تفاوت في وضوح الفكرة والطّريقة المقترحة. غير أنّ أهمّ النّداءات الّتي تردّدت لإنجاز هذا المشروع العلميّ المبتكر بالنّسبة للفقه تمثّل في النّداء الصّادر عن مؤتمر أسبوع الفقه الإسلاميّ في باريس 1370 هـ (1951 م) واشترك فيه ثلّة من فقهاء العالم الإسلاميّ. فكان بين توصياته الدّعوة إلى تأليف موسوعة فقهيّة تعرض فيها المعلومات الحقوقيّة الإسلاميّة وفقًا للأساليب الحديثة والتّرتيب المعجميّ. وفي 1375 هـ (1956 م) كانت بداية المحاولات الرّسميّة لإبراز هذا القرار التّاريخيّ العالميّ إلى حيّز الواقع من قبل لجنة
¥