? روى ابن عبدالبر عن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ? يقول: اجلسوا, فجلس في الطريق فمر به رسول الله ? فقال: ما شأنك؟ فقال سمعتك تقول: أجلسوا, فجلست فقال له النبي ?: زادك الله طاعة ().
بل إن بعض الصحابة ? أو من كان يعيش معهم من المخضرمين ممن لا يذكرهم التاريخ لأنهم لم يكونوا يطلبون الذكر والمباهاة في الدنيا من وراء إعمالهم – أقول أن منهم من كان على درجة كبيرة من التمسك بهدي رسول الله ? حتى شهد لهم كبار الصحابة ? في ذلك. فقد ذكر الذهبي في ترجمته لعمرو بن الأسود أن عمر بن الخطاب قال في حقه: من أحب أن ينظر إلى هدي رسول الله ? فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود () فمن يعرف عمراً هذا في التاريخ مع أنه كان على هذه الدرجة من السلوك الحسن, أن عدم شهرته تدل على أن المجتمع حينذاك كان بمجموعه على مثل هذه الدرجة الرفيعة فلو كان سلوكه فريداً بين أقرانه لكان من المشهورين منهم.
من خلال هذه الآثار التي أوردناها نستطيع أن نقول كما كانت السنة النبوية بمجموعها بياناً وتفسيراً للقران فان الصحابة ? كانوا بمجوعهم يمثلون حياة الرسول ? بحكم اقتداءهم به, فأي إغفال لجانب من حياة الصحابة ? هو إغفال لجانب من حياة رسول الله ? لأنه قد بلغ من اهتداءهم به ? أنهم كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن علته أو حكمه ().
فكن النبي ? مثلهم الأعلى وقدوتهم المثلى , كانت أعمالهم صورة لأعماله وأحوالهم مظهراً لأحواله فكان احترامهم احتراماً له والتعريض بهم تعريض به ? بل اعتراض على أقواله الآمرة باحترامهم ومودتهم.
• خلو نفوسهم من العداوة والبغضاء
لا شك أن الصحابة ? بشر عاشوا حياتهم كما عاش غيرهم يفرحون ويحزنون ويختلفون مع غيرهم في وجهات النظر لكنهم اختلفوا عن غيرهم في أن ما كان بينهم لم يصل إلى أن يحقد بعضهم على بعض, فكانوا قدوة لمن بعدهم في كل شيء: في سلمهم وحربهم , في جدهم ومرحهم , في رضاهم وغضبهم لأن الله أختارهم وجعلهم في موضع القدوة. والدارس لتاريخ الصحابة الكرام ? ممن لا يرضى لنفسه أن يصطاد في الماء العكر يعرف هذه الحقيقة جيداً , فهذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سمع بعض جنوده يسبون أهل الشام أبان معركة صفين على الرغم مما جرى بينه وبين أهل الشام الذين يقودهم معاوية قال: لا تسبوا أهل الشام فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال ().
(وأن علياً لما دار بين القتلى رأى طلحة بن عبيدالله فجعل يمسح التراب عن وجهه وقال: رحمة الله عليك أبا محمد, يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري, والله لوددت أني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ()).
ثم قال ابن كثير (): وروي من غير وجه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: ونزعنا ما في صدروهم من غل أخواناً على سرر متقابلين ()).
صحيح أن عدداً يسيراً من الصحابة ? ربما قاتل بعضهم بعضاً لكن قتالهم كان من اجتهاد واعتقاد وتحر للحق وعزم على التمسك به. وهم يعلمون هذه الحقيقة لهذا لم يكن يقع بعضهم ببعض, بل كانوا على الرغم من هذا الخلاف على مودة عظيمة واحترام لا يتصوره كثير من الناس.
وقد روى سعيد بن المسيب أن رجلاً كان يقع في طلحة والزبير وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني فأبى ,فقام فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كان سخطاً لك فيما يقول فأرني اليوم فيه آية وأجعله للناس عبرة. فخرج الرجل فاذا ببختي يشق الناس فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط فسحقه حتى قتله. قال سعيد بن المسيب: فإني رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون: هنيئاً لك أبا اسحق أجيبت دعوتك ().
(ولما قتل ابن جرموز الزبير بن العوام احتز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل به حظوة عنده فاستأذن فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار) ().
وكان الصحابة ? على جانب كبير من الاتزان في الحكم على الأشياء فهم لا يبحثون عن الزلة لكي يسقطوا صاحبها من معيار العدالة.
¥