المشكلة ليست مشكلة الجهل بمعاني عشرات من مصطلحات المحدثين، تلك المصطلحات التي عرفها المتأخرون بتعاريف يمكن أن يتحفظها بعضُ الأذكياء فيحفظها في يوم أو بعض يوم، أو أيام معدودات؛ نعم ليست هذه مشكلتنا – أهل هذه الأعصر المتأخرة زماناً ورتبةً علمية – ولكن المشكلة مشكلة عجمة تكاد تطبق الآفاق أو جهل كبير بلغةٍ حِفظُها ركنٌ من أركان حفظ الدين والجهل بها مانع من التفقه فيه ومن فقه مقاصد المتقدمين من علمائه، ومِن فهم اصطلاحاتهم وأكثر عباراتهم.
ما أكثر الكلمات الصحيحة الفصيحة التي ظنها المحقق! لمخطوطة الكتاب الذي يحققه! تصحيفاً، فمسخها وزوّرها بحسب فهمه السقيم وذوقه غير السليم، فأفسد من حيث يريد الإصلاح، وأبعد من حيث يريد التقريب؛ وما أكثر العبارات البليغة التي حسبها المحقق! مختلة أو حسب أن فيها سقطاً فراح يتخبط ويغير كما يحلو له، وما علم أنه عابث في صورةِ صائن، وماسخٌ في ثوبِ ناسخ؛ وهذه شكوى تطول وأمور تثير البلابل والهموم؛ والله المستعان؛ ولكن المراد هو التنبيه على أن هؤلاء المحققين إنما أُتوا قَبل كل شيء مِن جَهْلهم باللغة ونقصِ حظهم منها.
رابعاً: أردت أن أفتح باب هذا التأليف لأكثر ما تيسر ذكره من عبارات الأئمة وسائر علماء الحديث من العصور السابقة لأعصر العجمة والركاكة، لأن أكثرَنا بعيدون عن أكثر تعابيرهم، غافلون عن معاني أساليبهم، غير فاهمين لدقائق تراكيبهم؛ وأقول نحو ما قال الشيخ الفاضل إبراهيم بن عبدالله اللاحم حفظه الله، في خطبة كتابه (الجرح والتعديل) (ص10 - 11) إذ قال معتذراً عما قد يكون في كتابه من تطويل: (نعم، قد يكون في إكثاري من سرد نصوص النقاد شيء من التطويل، وكان بالإمكان الاكتفاء ببعضها، مع أنني قد فعلتُ ذلك، كما سيلاحظه القارئ في كثرة الإحالة إلى نصوص لم أذكرْها، لكن ما ذكرتُه قد يكون فيه شيء من التطويل، فلا مناص من التسليم بهذا.
ولي غرضٌ أيضاً من الإكثار من سرد النصوص، غرض خفي أرجو أن يوليه القارئ اهتمامه، ذلك أن من متطلبات الباحث الجيد في (نقد السنة) أن يعيش في عصر الأئمة، عصر النقد، يعيش فيه بروحه وفكره، فكأنه يعيش معهم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالإكثار من قراءة نصوصهم والتشبع بها، ولهذا فقد سرتُ في بعض الموضوعات على الاكتفاء بالعرض التاريخي لها، دون استنتاج قواعد يطبقها الباحث، فالغرض إذن وضع الباحث في صورة تقريبية لما يحدث في عصر النقد.
ولهذا السبب أيضاً سرتُ في نقل النصوص على مبدأ شمول النقل في القضية الواحدة لكافة طبقات النقاد في عصر النقد، ما أمكنني ذلك، مرتباً لهذه النصوص حسب زمن قائليها في الغالب). انتهى.
خامساً: وضعت بين يدي ذلك فصلاً كبيراً فيه معظم الأصول والضوابط الصحيحة لوضع المصطلحات وفهم معانيها وشرحها، وتلك مقدمة تمس الحاجة إليها في مثل هذا الكتاب، وهي موضحة في الجملة لمنهجي فيه.
سادساً: إن التطويل ليس مذموماً لذاته، ولا الاختصار محموداً لأنه اختصار، ولكن التطويل إنما قد يُذم لما قد يقع فيه من تكرارٍ، أو ضَعفِ تحريرٍ، أو قلةِ نفعٍ، أو تعقيدٍ وصعوبة فهمٍ، أو حشوٍ زائد، أو خروجٍ غير مسوَّغ، عن الموضوع، أو صعوبةِ حفظٍ، أو مشقةٍ في نسخ الكتاب، أو في حمله في الأسفار، أو عجزٍ عن شرائه.
ولعل أكثر هذه المعاني منتفية في مثل عصرنا هذا.
إذن، عُلم مما تقدم بيانُه شرطُ هذا الكتاب في مادته ووضعه، يضاف إلى ذلك أنني بعد أن أتممتُ الكتاب بتوفيق الله تعالى أكملتُه أو ذيّلتُه بثمانية؟؟ فهارس:
الأول: فهرس عام لما شرحتُه أو عرَّفته في الكتاب وخصصته بترجمة أي عنوان، من المصطلحات والألفاظ والعبارات والتراكيب.
الثاني: فهرس ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل.
الثالث: فهرس النادر من ألفاظ وعبارات وأساليب الجرح والتعديل.
الرابع: فهرس مصطلحات الرواية.
الخامس: فهرس مصطلحات التخريج.
السادس: فهرس أذكر فيه من المصطلحات والعبارات ما كان شاذّاً، أو غامض المعنى، أو يحتمل أن يخفى معناه الصحيح على كثير من الحديثيين، أو يختلف كثيراً في معناه العلماء والدارسون، أو بينه بعض كبار العلماء أو بعض المحققين من الباحثين، وهو يُشبه أن يكون فهرساً لفوائد متعلقة باصطلاحات المحدثين.
¥