تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال: خذها. فإنه يتم البيع بالإجماع ويصح. الحالة الثانية: أن تباع قبل أن تثمر، وقبل أن يكتمل استواؤها، فجماهير أهل العلم على جواز البيع وصحته، وخالف في هذه المسألة. رجلان عالمان، وكلاهما من التابعين، أولهما: عكرمة بن عبد الله، صاحب ابن عباس رضي الله عنهما، والثاني: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، الفقيه المشهور، فقالا: لا يجوز البيع، فلم يصححا بيع ثمرة النخيل قبل الاستواء الكامل، ولكن الصحيح مذهب الجماهير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها). ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النهي توقف عند بدو الصلاح فدل على أنه بعد بدو الصلاح يحل البيع، وهذا على القاعدة الأصولية المشهورة أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم، فلما قال: حتى يبدو صلاحها، فالغاية بدو الصلاح، فمعناه أن الحكم بعد بدو الصلاح يخالف الحكم قبل بدو الصلاح، وقبل بدو الصلاح قال: (نهى)، فمعناه أنه بعد بدو الصلاح، يجوز ولا بأس به. وإذا قلنا بقول الجمهور: إنَّه يجوز بيعها قبل أن تثمر، فهم على طائفتين: فالمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، رحمة الله تعالى على الجميع، على أنك إذا اشتريت ثمرة بعد بدو صلاحها يجوز لك أن تبقيها، ولا يجب عليك القطع. وقال الحنفية: يصح بيع الثمرة بعد بدو صلاحها، ونلزم المشتري بقطعها فوراً، فإن بيعت بُسراً وجب عليه أن يقطعها بسراً، وإن بيعت رطباً يجب عليه أن يقطعها حال كونها رطباً. والصحيح مذهب الجمهور؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشترط في حل ما كان بعد الغاية مفهوم القطع. وعلى هذا يكون الحكم أنه يجوز بيعها بعد بدو صلاحها بيعاً مطلقاً، وبيعاً بشرط التبقية، وبشرط القطع، لا بأس بذلك كله، على ظاهر السنة.

يلزم في بيع الحب ما يلزم في بيع ثمر النخل عند صحتها قوله: [واشتدّ الحب جاز بيعه مطلقاً وبشرط التبقية]: الحب أول ما يظهر. يكون طرياً، حيث يكون فيه ماء السنبلة، ثم يبدأ ييبس قليلاً قليلاً، حتى يشتدّ ويكتمل استواؤه، فإذا اكتمل استواؤه جاز بيعه، وبيع الحب على حالتين: الحالة الأولى: أن يأتي المشتري يشتري منك الحب، كأن تكون زرعت مزرعة كلها حبوب، فيأتي فينظر إليها ويقدرها، وتتوافر شروط البيع من العلم بقدر المبيع ونوعه، وبعد ذلك قال: أنا أشتري منك هذا الحب الموجود في مزرعتك بخمسين ألفاً، فقلت له: قبلت، فإن كان الحب طرياً لم يشتدّ لم يجز، إلا بشرط قطعه فوراً، كالنخل، كأن يقول: أريده علفاً الآن، ولا أريد بقاءه حتى يُحصد، فلو اشتراه قبل بدو صلاحه واشتداده بشرط أن يقطعه فوراً، صح البيع. ولو أخذه منك في هذه الحالة بشرط أن يقطعه فأخره حتى اشتدّ، فما الحكم؟ الجواب: يبطل البيع على القاعدة التي ذكرناها، فإذا اشترى الحب قبل بدو صلاحه، بشرط القطع صح، وإن اشتراه بشرط أن لا يقطعه، بطل البيع، فإن بدا صلاحه، واشتدّ فحينئذ فيه تفصيل: فإن اشترى منك الحب وهو في سنابله وفي أرضه صح البيع، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله تعالى، لكن لو أن هذا الحب حصدته، فأدخلته في البيدر، ومعه الشوك، ولم يصف الحب بعد، فهل يجوز أن يشتريه منك بالخرص قبل أن يكال؟ أو هل يجوز أن يشتريه بالكيل؟ أو يجوز أن يشتريه غير خالص؟ الجواب: لا؛ لأنه إذا حصد ووضع في البيدر، وأراد أن يأخذه بصفته فإنه يكون من بيع الغرر؛ لأننا لا ندري كم يصفى من هذا الحب، فلو قال قائل: هذا الحب يجوز بيعه، وهو في سنابله! قلنا: بالخرص، لكنه إذا خلط وأصبح محصوداً لا ينفع فيه الخرص، ولا يستطيع الخارص أن يحدد بدقة، أو بغلبة ظن ما هو أقرب للحقيقة، بخلاف ما إذا كان على رءوس زرع مشتدّ في سوقه، فإنه يمكنه أن يخرص، لكنه إذا دخل في البيدر، تكون السيقان الطويلة، والصغيرة، ويختلط الحب بغلافه، وبعد ذلك لا يمكن معرفته على الحقيقة أو قريب من الحقيقة إلا إذا صفي، فلا يجوز بيعه بعد الحصد إلا بتصفيته؛ لأنه يفضي إلى الغرر؛ فإنه حينما تشتري الصاع فإنك تشتري الحب مع الشوك، ولا يجوز بيع الشوائب لما فيها من الغرر، إلا بعد تصفيتها، ما دام أنه يمكن تصفيتها. قال رحمه الله تعالى: [وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ]: هذه هي الحالة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير