تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استباق الثمار في بدو الصلاح وأحكامه ...... صلاح بعض الثمرة دون بعضها قال رحمه الله تعالى: [وصلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر النوع الذي في البستان]: مما ينبغي علمه أن النخل إذا بدا صلاحه فيه لا يبدو دفعة واحدة، فأنت إذا نظرت إلى النخلة تجد أن فيها أكثر من عرجون، وإذا نظرت إلى البستان ففيه أكثر من نوع، وإذا نظرت إلى المدينة والقرية ففيها مئات البساتين، فحينئذ سنبحث مسائل جديدة: أولاً: بدو الصلاح في عرجون واحد، كأن تظهر فيه حبةٌ واحدة فقط حمراء أو صفراء، فإذا بدا الصلاح في حبة واحدة من عرجون واحد، فهل معناه أن العرجون كله يباع؟ فهذه مسألة. ثم إذا قلنا بجواز بيع هذا العرجون، فهل معناه جواز بيع النخلة كلها؟ وهذه مسألة ثانية. وإذا قلت: تباع النخلة، فهل يباع أمثالها من نفس النوع في البستان؟ وهذه مسألة ثالثة. وإذا قلت: إنه يباع هذا النوع في هذا البستان، فهل يجوز أن يباع في البساتين الأخرى هذا النوع نفسه؟ وهذه مسألة رابعة. وإذا قلت بجواز بيع هذا النوع في هذا البستان، فهل يقاس عليه بقية الأنواع؟ وهذه مسألة خامسة. هذه مسائل كلها تابعة لمسألة بدو الصلاح. وحتى تكون الصورة واضحة، فالنخل -كما سبق- إذا بدا الصلاح فيه يتفاوت، فهناك ما يبكر صلاحه، وهناك ما يتأخر ويصبح في آخر النخل، وهناك ما هو وسط بين المبكر والمتأخر. فمن أمثلة المتقدم في بدو الصلاح: اللونة والحليا، وهما من أبكر ما يظهر صلاحه من تمور المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. ويتأخر عنهما الربيع والروثان؛ لأن ثمرة الربيع والروثان صفراء، فلا تصفر إلا بعد وقت، وبقريب منها الحلوة، فلا تحمر إلا بعد وقت، وهي من الأنصاف، أي: المتوسط، وهناك ما يتأخر كالعجوة والصفاوي، ونحو ذلك، فعندنا نوع يبكر، وعندنا نوع يتأخر، وعندنا نوع وسط بينهما. فإذا بدا صلاح في حبة في عرجون، أو حبتين، وكان الزمان زمان صلاح فإنه يحكم ببدو الصلاح في النخلة كلها، وعلى هذا يجوز بيع ذلك العرجون وبيع سائر العراجين في النخلة، ويجوز بيع هذا النوع في البستان كله، فلو ظهر صلاحه في نخلة واحدة، فهو كبدو الصلاح في بقية النخل. وبالتجربة أنه إذا بدا الصلاح في أول النهار في نخلة، فغالباً لا يأتي آخر النهار إلا وقد بدا في نخلة أو نخلتين، أو ثلاث، ثم لا تأتي من الغد أو بعد الغد إلا وقد انتشر في البستان كله من هذا النوع، فتأخره قليل جداً، وعلى هذا يجوز بيع جميع النوع في البستان. لكن هل يجوز بيع بقية البساتين؟ أي: لو ظهر الصلاح عندك في بستانك، ولكن في بستان جارك لم يبدُ، فهل يجوز لجارك أن يبيع؟ الجواب: نعم؛ بزمان بدو الصلاح نفسه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما: (حتى تطلع الثريا وتؤمن العاهة)، فمن حكمة الله سبحانه وتعالى في هذا الزمان، أنه إذا بدا الصلاح في واحدة أن يكون للجميع، فهو زمان الصلاح وأَمْنِ العاهة غالباً، ومن هنا قال الجمهور: إنَّ بدو الصلاح في نخلة بدوٌّ في جميعها، وبدو الصلاح في ذلك النوع يوجب جواز بيع ذلك النوع في البستان كله، وكما جاز بيع ذلك النوع في البستان، يجوز بيعه في بقية البساتين؛ لأنه ربما كان جارك ليس بينك وبينه إلا الحائط، وقد تكون مزرعتك مائة متر، ومزرعته مائة متر، فلو قلنا: لا يجوز أن يبيع جارك، فكيف بالذي عنده مزرعة فيها مائتي مترٍ، وبدا الصلاح في نخلة واحدة؟ إذً العبرة بالزمان، والعبرة بغلبة الظن في السلامة وهي موجودة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فيجوز أن تبيع النخلة، وأن تبيع نوعها في البستان، وأن يباع نوعها في بقية البساتين.

صلاح نوع دون نوع هناك يقال: هل يجوز بيع المتأخر إذا بدا الصلاح في المبكر؟ الجواب: لا، والعبرة في كل نوع بحسبه، فلا نبيع تمر الحلوة، إلا إذا بدا الصلاح ولو في واحدة منه، لكن إذا بدا الصلاح في الحليا، لا نبيع في ذلك الحلوة، ولو بدا في تمر اللونة، لا نبيع العجوة، وإذا بدا في السكري لا يباع الصفاوي وقس على هذا. فكل نوع بحسبه، فإن من جرب النخيل، وجرب الزراعة يعلم أنها تتفاوت في طلعها، وتتفاوت في تأبيرها، وتتفاوت في بدو صلاحها. وعلى هذا فإنه لا يحكم بجواز بيع النوع إذا ظهر الصلاح في نوع غيره، وإنما يتقيد بالنوع نفسه، الذي بدا الصلاح فيه. قال رحمه الله تعالى: [وبدو الصلاح في زمن النخل أن تحمر أو تصفر]: هذه علامة بدو الصلاح، والأصل في ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه،: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي، قالوا: يا رسول الله! وما تزهي؟ قال: تحمار أو تصفار)، فهذا يدل على أن الحمرة والصفرة توجب الحكم ببدو الصلاح. قال رحمه الله تعالى: [وفي العنب أن يتموه حلواً]: العنب يبدو صغيراً، وبعد ذلك يبدأ يكبر شيئاً فشيئاً، حتى تكتمل حبة العنب في الحجم، وهي خضراء شديدة الخضرة، ثم يضربها الماء، فإذا تموهت وصار الماء عليه تفككت خضرتها، فبمجرد ما ينظر إليها صاحب الخبرة يعلم أنها قد نضجت، فإذا كانت شديدة الخضرة، فهي حامضة، وطعمها حامض، ويبدو صلاحها بذلك، وإذا بدا الصلاح في عنبة جاز بيع بقية العنب في ذلك البستان. لكن لو كان العنب أنواعاً، كالعنب الطائفي والحجازي والمشرقي، فهذه الأنواع يفصل فيها: فإذا تموه العنب من نوعٍ، فلا يحكم بجواز بيع غيره من نوع آخر إذا تفاوت في النضج. قال رحمه الله تعالى: [وفي بقية الثمار أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله]: قد بينا فيما سبق علامات بدو الصلاح، فمن الأشياء ما يكون بدو صلاحه بلينه بعد اشتداده، كالتين والبطيخ. ومنها ما يكون باشتداده بعد لينه كالحب. ومنها ما يكون بحلاوته بعد مرارته كقصب السكر، والرمان ونحو ذلك. ومنها ما يكون بتفتح أكمامه، كما ذكرنا في الورد، ويقاس على ذلك بقية الأنواع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير