تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أم أنه لابد من القبض وهذا أصل مفرع على المعاوضات؛ لأن الديون في البداية فيها شبه بالعارية وفي النهاية فيها شبه بالبيع؛ لأنه إذا تصرف فيها لزمه البدل، فإذا قلت: إنه ملكها ودخلت إلى ملكيته وتصرف فيها فحينئذٍ يضمن البدل، فهذا يقتضي أنها معاوضة وفيها شبه من البيوع والمعاوضات؛ لكن في الابتداء ومن حيث الأصل الدين لي والمال مالي، خاصة على قول من يقول: إنه من حقي أن أطالبك في أي وقت ولو قبل الأجل. فإذاً: لابد أن نحدد متى ينتقل المال من عندي إليك، وهذا يترتب عليه الأحكام الشرعية حتى ننصف صاحب المال وننصف المديون أيضاً، وحتى نعلم أن هذه الشريعة كاملة، وأنها فاقت جميع القوانين والتشريعات التي هي من صنع البشر والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ [الأعراف:52] قواعد صحيحة وأصول متينة، فالعلماء يدرسون كل شيء يترتب عليه ذمم الناس والحقوق والمسئوليات، فيفرعون ويفصلون حتى يُعرف ما لكل ذي حقٍ من حق، فيعطى كل ذي حقٍ حقه. فالفقه ميزته أنه سبب ليعطى كل ذي حقٍ حقه، وهذه المسائل وإن كانت في البداية غريبة لكنها تنبني عليها حقوق، فقد يأخذ المقترض الطعام فيطحنه، وقد يأخذ الدقيق فيطحنه أو يتصرف فيه ثم يطالب الرجل بعين ماله، فهل من حقه أن يطالب أو ليس من حقه؟ وإذا قلت: من حقه، لماذا؟ وإذا قلت: ليس من حقه، لماذا؟ هذه كلها أمور محسومة ومفصلة في كلام العلماء رحمهم الله حتى يتيسر القضاء إن حصلت الخصومة، وتتيسر الفتوى إن حصل السؤال، ويتيسر العلم إذا حصل الطلب، فالمراد أننا ندرس هذه المسائل حتى نعرف بيان ضوابط القرض، وكذلك الأموال حتى نعلم متى تنتقل من ملكية المالك الأصلي إلى ملكية غيره.

حكم تسديد الدين قبل حلول الأجل وقوله: [بل يثبت بدله في ذمته حالاً ولو أجله] (بل يثبت) أي: يثبت الدين والضمير في (بدله) عائد إلى الدين، وقوله: (في ذمته) أي: ذمة المديون والذي استقرض، والذمة وصف يقوم بالأشخاص قيام الأوصاف الحسية بمحسوساتها، وهو وصف يقبل الالتزام، فقوله: [في ذمته] أي: أنه لابد وأن يكون الشخص الذي يقترض عنده ذمة قابلة بأن يلتزم بها. وقوله: [بل يثبت بدله في ذمته حالاً] هذا فيه خلاف. وقوله: [ولو أجله] ولو: إشارة إلى خلاف مذهبي. وهذه المسألة نريد أن نبحثها، فمثلاً: لو أن رجلاً أعطاك مائة ألف ديناً، فهذه المائة ألف قلت له: أخذت منك هذه المائة ألف أو آخذ منك هذه المائة ألف ديناً إلى نهاية السنة، فقال لك: قبلت خذها ديناً إلى نهاية السنة، نحن الآن في رمضان، فإذا قبضتها على القول بأن الملكية بمجرد قبضك لها يثبت في ذمتك لصاحب الدين مائة ألف حالة، أي: تدفع فوراً، لو طالبك بها في أي وقت ولو قبل نهاية السنة تدفع، ولو اتفقتما على التأجيل لماذا؟ لأنهم يقولون: القرض كالعارية بدليل أنك لا تملكه إلى الأبد، صحيح أنك لما أخذت المائة ألف تصرفت فيها لكن لا تملكها إلى الأبد، بل تلزم برد مثلها، فإذاًَ: هذا المثلي مملوك لك أم غير مملوك، وبالإجماع إذا قلنا بثبوته على المديون ليس ملكاً له، فمعنى ذلك: أنك إذا أخذت مائة ألف فهي ليست ملكاً لك، إنما ملكت الانتفاع والارتفاق بها إلى الأجل، هذا من حيث الأصل. فإن قلنا: إنها كالعارية، فلو أن شخصاً أخذ منك السيارة يريد أن يصل بها إلى الحرم المكي ويرجع، فمعنى ذلك: أنه أخذها وردها، وهو ليس مالكاً لها، فإذاً: يقول أصحاب هذا القول من الحنابلة والحنفية رحمهم الله: الدين يثبت في ذمة المديون حالاً ولو أجله صاحب الدين فأعطاه مهلة إلى أجل، ولو قال له: أشترط عليك أن يكون إلى أجل، قالوا: يفسد الشرط ويلغى ويكون وجوده وعدمه على حدٍ سواء، ويلزم لو طالبه في أي وقت أن يعطيه دينه؛ لما يلي: أولاً: أن الدين كالعارية، ومن حقه في أي وقت أن يرجع ويأخذ العارية، فلو أنك أخذت السيارة عارية إلى الحرم فمشيت بها مثلاً مائة متر فلحقك، وقال: أعطني سيارتي، قالوا: من حقه أن يستردها؛ لأنها كالعارية. ثانياً: أنه إذا قال لك: خذها إلى نهاية السنة فوعد، والوعد ليس بملزم، وإن كان المسلم مطالب أن يفي بوعده، وإلا فإنه يأثم، لكن ما فيه إلزامات مترتبة على هذا الوعد؛ لأنه إحسان وتبرع محض، فقد يعطيك الدين على أنه موسع ثم يرجع عن ذلك فيتذكر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير