تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بينهم، فمنهم من يفهم من كلامه التحريم، ومنهم من يفهم من كلامه الكراهية، وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية وطائفة من الحنفية رحم الله الجميع، فيقولون بالمنع، إما على سبيل التحريم، وإما على سبيل الكراهة، وروي الجواز مع الكراهة عن مالك من وجه يثبت عنه. وبناءً على ذلك يرد السؤال الآن في الحوالة في الأصل بنفس العملة وبغير العملة، كأن تريد مثلاً تحويل عشرة آلاف ريال من مكة إلى المدينة، فالعملة واحدة، وتريد تحويل عشرة آلاف ريال إلى دولارات في غير مكة خارج البلاد مثلاً. والحوالة في الأصل هل هي حوالة أم قرض؟ هذا يحتاج إلى نظر، الحوالات الموجودة الآن هي قرض، وهي آخذة حكم السفتجات؛ لأنك تأتي إلى المصرف وتعطيه عشرة آلاف، وحين يأخذ المبلغ فإنه لا يحيلك بنفس المبلغ، وإنما حقيقته أنه أخذ هذا القرض في ذمته وأحال إلى وكيله أن يعطيك إياه، وأنت لا تحيل إلا لمصلحة، فكأنك أقرضته لمصلحتك، وهذا وجه دخولها في السفتجات؛ لأنه يريد توصيلها وفي توصيلها مئونة، فإن جاء يسافر هو بنفسه فمئونة السفر مكلفة، وإذا استأجر الغير فإنه يدفع قيمة استئجار الغير، فهي داخلة في حكم السفتجة. فعلى قول من قال من الصحابة بالترخيص في السفتجات، وهذا مع اتحاد العملة فلا إشكال في الجواز، يكون في حكم السفتجة جائزة على قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، والنفس تطمئن إلى هذا القول، خاصة كما قال الإمام مالك: إن الناس يحتاجون إلى ذلك، فخفف فيه لوجود المصلحة، وصار فيه نوع من الإرفاق وهو متفق مع مقصود الدين. ويبقى النظر في الحوالة مع اختلاف العملة، إذا دفعت عشرة آلاف فإنها في الأصل تكون ريالات وتريد تحويلها إلى البلد الثاني بعملته، فهنا عقدان: العقد الأول: الصرف، وهو كونك تبدل العشرة آلاف من ريالات إلى دولارات، والعقد الثاني: عقد الحوالة، فيجب أولاً: أن تصرف وتبدل العملة إلى عملة أخرى، وتقبض يداً بيد، فإذا حصل الصرف بصفته الشرعية المعتبرة، ودخلت النقود في شيك أو حوالة وأحيلت فلا إشكال في جوازها على قول من ذكرنا من السلف رحمهم الله، لكن لو أعطاه عشرة آلاف ريال، وقال: حولها إلى فلان دولارات، فحينئذٍ وقعت النسيئة والتأخير في الصرف، ولا خلاف في أن وجود التأخير يوجب التحريم، إذاً: المخرج والمباح أن يصرف أولاً وبعد القبض يحيل ما شاء من المال.

مسألة الدين في الجمعيات أما مسألة الدين في الجمعيات، فإن الجمعية -إذا جئت تنظر إليها- في الواقع هي قرض جر نفعاً، فلو دخلنا الجمعية بخمسة آلاف ريال، فكل شخص يدفع الخمسة آلاف على شرط أن يدينه الثاني أو يدين من يدينه، فأنت إذا دفعت الخمسة آلاف وكل شخص دفع خمسة آلاف، فمعناه أن محمداً الأول هو الذي سيأخذ مجموع المال، فكأنك دفعت الخمسة آلاف لمحمد من أجل أن يقضك ويقرض الباقين أيضاً، ودفعتها لأولئك الأربعة الباقين بنفس الشرط، فصار قرضاً جرَّ نفعاً، ولو علمت أنهم لا يعطونك لامتنعت، فإذاً: أنت لم تدفع المال إلا من أجل أن تستفيد من قوة المبلغ، والدين إنما يدفع من أجل الرفق بالمديون، وقد أجمع العلماء على أن الدين عقد رفق. ومن هنا حرم أن يستفيد المدين، فأنت إذا دفعت الخمسة آلاف مع زيد وعمرو وخالد لمحمد، كأنك تقول: يا محمد! خذ مني الخمسة آلاف الآن بشرط أن تعطي الشهر القادم خمسة آلاف لزيد، والذي بعده لعمرو، والذي بعده لبكر، فلو علمت أنه يمتنع لما دفعت ولما أعطيته، وهذا يقتضي المنع، فصار قرضاً جر نفعاً، وإن قلنا: إنه دفع خمسة آلاف وأخذ خمسة آلاف فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] يقولون: دفع ديناً وأخذ عين الدين، فإن وجدت من يجيز ويفتي بالجواز فإنه يرى أنه دفع خمسة آلاف وأخذ الخمسين ألفاً ورد لكلٍ دينه بدون زيادة، وإن وجدت من يحرم وجدته يرى شبهة زائدة على الارتفاق وهي كونه يدين بشرط، وهذا سلف وشرط، فصار قرضاً بشرط فيه منفعة، إما له حقيقة أو تبعاً، فحقيقة من جهة أنه سيستفيد الخمسين ألفاً، وتبعاً كأنه يقول: يا محمد! أقرض من أقرضني، وأعط لمن أعطاني كما أنني أعطيتك. وعلى هذا أقول: إنها من جنس المشتبه، فلا أقوى على الجزم بالتحريم؛ لأن فيها شبهة من الحلال، وفيها شبهة من الحرام، فإذا جئنا ننظر إلى وجود الشرط فهذا شبه من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير