تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو قال: هذا القلم هبةٌ مني لك، أو هديةٌ مني لك؛ فإنه يعطيك القلم ولا يريد الثواب إلا من الله عز وجل، أو يريد أن يكون ثوابه المحبة والمودة، فهذا يسمى عقد الرفق المحض، لا يريد أن يغبنك ولا تريد أن تغبنه، فليس هناك غبن من الطرفين أو أحدهما، إنما يراد الرفق، فيشمل هذا الصدقات والهبات بعوض. النوع الثالث من العقود: ما جمع الغبن والرفق، ومن أمثلة ذلك: الشركات، فلو أن رجلاً قال لك: ندفع مائة ألف، أنت تدفع خمسين وأنا أدفع خمسين، ويكون ثلاثة أرباع الربح لي، وربع الربح لك، تقول له: لا. بل ثلاثة أرباع الربح لي، وربعه لك، فهناك غبن في الربح، وهناك رفق في التقوي بكلا المالين؛ فإن المتاجرة بمائة ألف ليست كالمتاجرة بالخمسين، فأنت تريد أن تقوي ماله وهو يريد أن يقوي مالك، فترى رفقاً منك به وهو أيضاً يرى رفقاً منه بك، فصار رفقاً من الطرفين، ولكنه غبن من الطرفين، فإذاً: عقد الشركة جامع بين الغبن وبين الرفق (المضاربة والقراض)، كرجلٍ قال: خذ هذه العشرة آلاف واضرب بها في الأرض، ويكون لي ثلثا الربح ولك ثلث الربح، فتجد في المضاربة رفقاً من الطرفين؛ لأن العامل يأخذ المائة الألف المجمدة والتي لا تستطيع أن تعمل بها فيرفق بك بالمتاجرة، فأنت ارتفقت من هذه الناحية، والعامل ارتفق من جهة اكتساب صنعته وتنمية خبرته، واستفاد من جهة الربح الذي سيجده من المائة ألف، فإذاً: صار عقد المضاربة عقد رفق من هذا الوجه وهو عقد غبنٍ؛ لأنك ستقول: لي ثلثا الربح، وهو سيقول: بل لي ثلثا الربح ولك ثلثه، وكل منكما يريد أن يغبن الآخر في حضه من الربح، فصار عقد المضاربة والقراض جامع بين الغبن والربح. القرض والدين من العقود التي يقصد بها الرفق المحض، فإنه يعطيه القرض على سبيل أن يرفق به، جاءك رجل وعنده كربة أو نكبة لا قدر الله، وقال لك: يا فلان! إني في ضائقة وحاجة، كرجل يريد إيجاراً لشقته أو يريد علاجاً لمريضه أو علاجاً لمرضه؛ فإن هذا كله يقصد به الرفق من دفع الشدة والحاجة عن المحتاج، ولذلك قالوا: دفع المال للغير إرفاقاً -بقصد الرفق- على أن يرده، فلما قالوا: على أن يرده خرجت الهبة والصدقة، فصار القرض من عقود الهبات، والهبة من عقود الرفق. ...... أدلة مشروعية القرض القرض مشروع بالكتاب والسنة وبإجماع الأمة، إذا أعطيت الناس أموالك قرضاً، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282]، وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] فجعل معاملة المخلوق للخالق مركبة على القرض، وشبهها بالقرض، فشبهها بالمعروف والمعهود فدل على السنن. كذلك دلت السنة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً على جواز القرض، أما القول: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)، فهذا يدل على أن من أخذ القرض وفي نيته أن يرده -لا أن يتلاعب بحقوق الناس- فإن الله يعينه، قال بعض العلماء: قوله صلى الله عليه وسلم: (أدى الله عنه)، يحتمل أمرين: الأمر الأول: يحتمل أن يوفقه في الدنيا فيسدده، وقل أن تجد رجلاً يأخذ أموال الناس وفي نيته أن يردها إلا ويوفق للرد. الأمر الثاني: يحتمل أن يكون في الآخرة، أي: إذا مات ولم يسدد الدين، فإن الله لما علم من حسن نيته يتكفل بإرضاء خصمه و الأداء عنه فضلاً من الله عز وجل و تكرماً لحسن نيته؛ لأن نيته كانت صالحة، والله هو المطلع على الضمائر والسرائر، أما لو كانت نيته سيئة، كرجل يُكثر الذنوب ولا يستطيع أن يسدد ويأتي إلى أخيه المسلم ويخدعه بالعبارات وبالكلمات الحسنة والوعود المكذوبة، والله يطلع على ضميره وسريرته أنه كذاب، سيأتي إلى الرجل، ويقول له: أعطني مائة ألف، وفي نهاية السنة تأتيني أموال ويعده وعوداً كاذبة ويمنيه والله يعلم أنه في قرارة قلبه ليس بصادق، وأنه ليس عنده ما يستطيع أن يسدد به، وليس صادقاً فيما يقول من أنه سيعطيه، بل بعض الأحيان يعلم أنه ستأتيه الأموال ولكن يبيت في قرارة قلبه أن يأخذ الدين ولا يرده، فمثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)، ولذلك لا يوفق للسداد، فتتراكم عليه الديون حتى يشتكى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير