تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمسألة هنا في رد العين، لو أن هذا الشيء في بعض الأحيان يكون خمسمائة والسوق الأفضل أن تكون مفرقة فاستقرضها مفرقة، فأراد أن يعطيه بدلاً عنها جملة وبرأسها كما يقولون كان له ذلك؛ لأنه ملكها بالقبض وصح له أن يصرفه إلى المثل، هذا إذا قلنا: إنها بمجرد العقد. إذاً: يملك القرض بالعقد، ويملك بالقبض، ويملك بالتصرف، فإن اقترض منه قمحاً ولم يتصرف فيه وطالبه صاحب القمح برده قبل التصرف لزمه أن يرد عين القمح ولا يصرفه إلى مثله؛ لأنه لم يملكه إذا لم يتصرف فيه، وهكذا أيضاً لو قلنا: لو قبضه وبعد القبض طالبه لم يصح أن يطالبه بعينه، والعكس لو طالبه قبل القبض وبعد العقد لزمه أن يدفع له عين الطعام الذي أخذ، وهكذا لو أنه اقترض منه سيارة أو دابة على أن يرد مثلها، فإنه إذا اقترض منه السيارة قرضاً بعينها ورقبتها فإنه يصير مالكاً لها بمجرد العقد على القول الأول، وبالقبض إذا ركبها وقبضها وساقها على القول الثاني، وإذا تصرف فيها وبذلها على القول الثالث، فإذا تصرف فيها فباعها أو أجرها للغير صارت ملكاً له، فحينئذٍ يجوز أن يعطيه بدلها ويجوز أن يعطيه عينها، فالخيار له إذ لا يكون ملزماً بالعين، هذا بالنسبة لمسألة ما يملك بقبضه. إذاً: عندنا ثلاثة أوجه للعلماء: فالجمهور يرجحون القبض، وغيرهم يرجح التصرف، والجمهور كلهم على القبض والتصرف، وقال المالكية: إنه يملك بمجرد العقد، لكن الجمهور منقسمون على القبض وعلى التصرف، واختار المصنف رحمه الله قول من قال: إنه يملك بالقبض. وهذه المسائل بناها العلماء على أصول في الشريعة، فأنت حينما تعطي شخصاً ديناً فإن هذا الدين بأصل الشرع إذا أخذه كان من حقه أن يتصرف فيه، فمن أقرض قرضاً فإن الإجماع قائم على أن المقترض يملك القرض، بدليل أنه يذهب يأخذ منك المائة ألف فيشتري بها عمارة أو سيارة وليس من حقك أن تطالبه بهذه العمارة أو السيارة إنما تطالبه بالمائة ألف، إذاً: الإجماع والأصل الشرعي يدل على أنه يملكها. يبقى السؤال: هذه المائة ألف في الأصل هي ملك لي وأعطيتها لك وحصل بيني وبينك إيجاب وقبول، فهل ملكيتك لها تكون بمجرد الإيجاب والقبول؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] ودل على أنه يلزم بمجرد العقد، أم أنه لابد من القبض وهذا أصل مفرع على المعاوضات؛ لأن الديون في البداية فيها شبه بالعارية وفي النهاية فيها شبه بالبيع؛ لأنه إذا تصرف فيها لزمه البدل، فإذا قلت: إنه ملكها ودخلت إلى ملكيته وتصرف فيها فحينئذٍ يضمن البدل، فهذا يقتضي أنها معاوضة وفيها شبه من البيوع والمعاوضات؛ لكن في الابتداء ومن حيث الأصل الدين لي والمال مالي، خاصة على قول من يقول: إنه من حقي أن أطالبك في أي وقت ولو قبل الأجل. فإذاً: لابد أن نحدد متى ينتقل المال من عندي إليك، وهذا يترتب عليه الأحكام الشرعية حتى ننصف صاحب المال وننصف المديون أيضاً، وحتى نعلم أن هذه الشريعة كاملة، وأنها فاقت جميع القوانين والتشريعات التي هي من صنع البشر والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ [الأعراف:52] قواعد صحيحة وأصول متينة، فالعلماء يدرسون كل شيء يترتب عليه ذمم الناس والحقوق والمسئوليات، فيفرعون ويفصلون حتى يُعرف ما لكل ذي حقٍ من حق، فيعطى كل ذي حقٍ حقه. فالفقه ميزته أنه سبب ليعطى كل ذي حقٍ حقه، وهذه المسائل وإن كانت في البداية غريبة لكنها تنبني عليها حقوق، فقد يأخذ المقترض الطعام فيطحنه، وقد يأخذ الدقيق فيطحنه أو يتصرف فيه ثم يطالب الرجل بعين ماله، فهل من حقه أن يطالب أو ليس من حقه؟ وإذا قلت: من حقه، لماذا؟ وإذا قلت: ليس من حقه، لماذا؟ هذه كلها أمور محسومة ومفصلة في كلام العلماء رحمهم الله حتى يتيسر القضاء إن حصلت الخصومة، وتتيسر الفتوى إن حصل السؤال، ويتيسر العلم إذا حصل الطلب، فالمراد أننا ندرس هذه المسائل حتى نعرف بيان ضوابط القرض، وكذلك الأموال حتى نعلم متى تنتقل من ملكية المالك الأصلي إلى ملكية غيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير