تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً) ومن حمل هموم الدعوة إلى الله وحمل أمانة الدعوة وتبليغ رسالة الله إلى عباد الله فقد حمل أشرف الأشياء، وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، بل إنه الشيء الذي خلق الله من أجله خلقه وهو عبادته ولا عبادة إلا بالعلم وبالبصيرة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]. فلابد للداعي أن يستشعر أولاً: ما هي الدعوة؟ وما هي الرسالة التي يحملها، والأمانة التي في عنقه لأهلها؟ فإذا عرف عظم هذه المسئولية؛ علم أنه يتكلم لله وفي الله، وابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى، وأنه يعقد الصفقة فيما بينه وبين الله بأن يكون أجره على الله لا على أحد سواه: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ:47] وقال عن أنبيائه نوح وهود وصالح وشعيب ولوط: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:109] أجرك على من بيده خزائن السماوات والأرض ويده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة، أجرك على من يكتب لك الكلمة والجملة والحرف .. على من يكتب لك الخطوة والتعب والنصب والسهر، ويكتب لك كل صغيرة وكبيرة سبحانه وتعالى، يحصيها لك فيكتب لك أجرها وثوابها فتوافيه يوم توافيه بمثاقيل الحسنات إن قبل عملك، وأجرك على من لا يضيع أجر من أحسن عملاً وهو الله جل جلاله. وعلى الداعية أن يستشعر أن هذا المقام أحب المقامات إلى الله عز وجل وهو مقام الأنبياء والرسل، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإنما يكون الداعية العالم ولا تكون دعوة إلا بعلم، فمن أراد أن ينال فضل الدعوة على أتم وجوهه وأن يكون في أكمل صوره فليتم العلم، وليأخذ من العلم، وينتهي من العلم ويحرص على مجالس العلم، ويكون من أهل هذه الرياض التي تنشر فيها رحمة الله، ويبتغى فيها ما عند الله، ويصبر ويصابر ويجد ويجتهد ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى في جميع ذلك، حتى يبلغ من العلم أعلى مراتبه، فإذا بلغ ذلك قام بالدعوة على أتم وجوهها وأكملها. وأول ما ينبغي على الداعية طلب العلم، وإذا طلبت العلم تطلبه بقوة وبعزيمة وهمة صادقة لا يثنيك عنها شيء، فلا تثنيك عنها الدنيا وزينتها وغرورها وما فيها من متاع زائل وغرور حائل، إنما تجد وتجتهد وأنت تحس أنك أنت الرابح، ولا يكون طلبك للعلم بضعف، فتشعر أن الدنيا ستفوتك، وأن أهل الدنيا يتاجرون ويربحون وأنت لا تتاجر ولا تربح، لا. بل تدخل في العلم وتحس أنك أربح صفقة وأكثر ربحاً في تجارتك مع الله سبحانه وتعالى، فقد طلب أقوام العلم فكفاهم الله هم الدنيا والآخرة، واقرأ في سير العلماء، والله إن منهم من كان لا يجد إلا طعمة يومه .. مرقع الثياب .. حافي القدم، ولكنه أغنى الناس بالله جل جلاله، وأسعد الناس، وأشرحهم صدراً، وأثبتهم جناناً، وأصدقهم لساناً، وأوضحهم بياناً، أغنى الناس بالعلم الذي وضعه الله في قلبه وفي لسانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] لما صبروا في طلب العلم وتحصيله، فلا يشتكي من السهر والتعب في طلب العلم، إنما يبحث عن هذا العلم بكل همة وصدق وعزيمة. فإذا جد طالب العلم في طلبه عليه أن يعلم أن منزلته عند الله على قدر ما يحصل من العلم، فإن الله يرفع بهذا العلم درجات، وقد تجلس في المجلس الواحد وتدرس فيه مسائل قل من يضبطها ويحصلها فتكفي الأمة همها وتسد ثغرها، فيكون أجرك عند الله بمكان، فترفع درجتك على نفاسة هذا العلم، وبقدر ما يكون علمك نفيساً عظيماً محتاجاً إليه عظيم البلاء بقدر ما تكون درجتك عند الله أعلى وأسمى. كما ينبغي أن تعلم أن هذا العلم يحتاج منك إلى أمانة، فإذا جلست في مجالس العلم ضبطت وتقيدت بما سمعت، فلا تزيد من عندك شيئاً، ولا تحدث في دين الله برأيك ما لم يكن عندك حجة أو برهان، وتحرص في مجالس العلم على أن تسمع وتحفظ، ثم بعد ذلك تعمل بضوء ما علمت وتبلغ ما سمعت، وهذا أكمل ما يكون في العلم، أن يكون قلبك واعياً بكل ما يقال، وتتقيد بالكلمة لا تزيد ولا تنقص، وإن استطعت ألا تأتي بالمعنى إنما تأتي باللفظ نفسه، فإذا بلغت ذلك كملت نظارة وجهك، قال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فحفظها وأداها كما سمعها، فرب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير