تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، فإنه في بعض الأحيان يكون الشيء في ظاهره حلالاً لكن تجد أموراً وقرائن تدل على وجود الشبهة، فمثل هذا تتقي فيه وتمتنع منه، صحيح أنه يدعوك دعوة عامة، إلا أنه يميزك على من هو أفضل منك، فتفهم من هذا أن القدر المباح والمشترك زدت على حقك فيه، كما لو أهداك هدية وكان من عادته أن يهديك وزاد في الهدية، فإن الزيادة تحرم، فالمقصود أنهم لما قالوا: من عادته أن يهديك، محل ذلك أن لا يكون فيه شبهة أو ذريعة إلى الحرام، كأن يزيد عن هديته، أو يفعل معك فعلاً يميزك به في وليمة عامة أو نحوها، ولو دعاك إلى دعوة خاصة لم يجز أن تجيبه؛ لأنها أشبه بالمكافأة على الدين قبل وفائه وأدائه. وقوله: [لم يجز] أي: لم يجز لك أن تأخذ الهدية منه قبل وفائه للدين إلا أن تنوي مكافأته على الهدية، كرجل استدان منك عشرة آلاف وذلك إلى نهاية السنة، ثم جاءك بهدية (ساعة) لم يجز لك أن تقبلها، إلا أن تنوي مكافأته على الساعة، فتنوي في قلبك أنك ستقبل منه الساعة الآن على أن ترد عليه هدية مثل هديته أو أفضل من هديته، فتكون حينئذٍ قطعت الهدية بمثلها أو أفضل منها. وقوله: [إلا أن ينوي مكافأته] وهذا ما يسمى بهبة الثواب، وهي الهبة بعوض، وهذا النوع محرم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله الإنسان من أجل أن يكافئه الغير، وهو الذي عناه الله عز وجل بقوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر:6] (ولا تمنن) أي: تفعل الهدية وتعطي الهدية وما فيه منة، (تستكثر) أي: تستدعي الكثرة بطلبك لما هو أكثر، وهذا يفعله الضعفاء، فيأتون للأغنياء ويعطونهم هدية، ومن المعلوم أن الفقير إذا أهدى للغني فمعنى ذلك أن يكافئه، وعلى هذا قالوا: إنه إذا أهداه ونوى في قلبه أن يرد هديته وأن يكافئه عليها جاز له ذلك. وقوله: [أو احتسابه من دينه] كرجل يأتي ويعطيك هدية، فتقدر هذه الهدية بقيمتها، وتنوي في قرارة قلبك أنه إذا جاء يسدد الدين فإنك تسقط الهدية من قيمة الدين، فيجوز لك أن تقبلها.

حكم اشتراط تسليم الدين في غير مكان القبض وقوله: [وإن أقرضه أثماناً فطالبه بها ببلد آخر لزمته، وفيما لحمله مئونة قيمته] [وإن أقرضه أثماناً] كذهب وفضة، دنانير ودراهم، أو أقرضه ريالات وطالبه بها في غير البلد، كأن يستدين منك عشرة آلاف في مكة، فقلت له: أنا جالس في مكة في رمضان، ولكنني أطالبك بردها لي مثلاً في الرياض في ذي القعدة، أو في جدة أو المدينة لزمه ذلك، أي: لزم المدين أن يسدد الدين في الموضع الذي اتفقا عليه، فهذا من الشرط، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم). وقد نص العلماء رحمهم الله على أنه إذا أعطاه الأثمان في بلد وطالبه بقضائها في بلد آخر، أنه لا بأس بذلك ولزمه أن يسددها في البلد الآخر، لكنهم فرقوا بين الأثمان وغير الأثمان، كالطعام والكساء وغيرها مما يحمل وفيه مئونة؛ لأنه إذا اشترط عليه أن يوفيه في بلد غير بلده استضر المديون، وصارت منفعة زائدة للدائن على المديون، فلا يجوز ولا يلزم بهذا. أما الأثمان كالذهب والفضة، في القديم إذا قال لك: أعطيك مائة دينار في المدينة وتقضيها في مكة جاز ولزمه أن يسدد الدين في مكة؛ لأنه لم يكن في حمله مئونة، لكن في زماننا فيه مئونة، خاصة إذا كان من بلد إلى بلد تختلف العُمل فيه، فإن العُملة إذا كانت صعبة كأن يستدين مثلاً: دولارات، فيقول له وهو في مكة: هذه العشرة آلاف دولار أشترط أن تسددها لي في المشرق أو في المغرب، والدولارات في المشرق أو المغرب غالية وعزيزة الوجود، وحملها إلى هناك فيه مئونة ومشقة، فكأن الدائن صاحب الدين اشترط منفعة وصار أخذ الدين مع المنفعة الزائدة، وعليه قالوا: إنه لا يلزمه هذا الشرط، إذا كان على وجهٍ فيه ذريعة إلى الربا. كذلك الذي في حمله مئونة، كما لو استدان منه طعام بر أو استدان منه طن حديد أو طن نحاس وهو في مكة، وقال له: السداد يكون في المدينة، وهذا الدين قد لا يوجد مثلاً في المدينة، كما في القديم، إذا كانت البلدان مختلفة والأطعمة والمنافع كانت المثمونات مختلفة في الأماكن، فيلزمه ببلد غير بلده، فيتحمل مشقة الحمل إليه، قالوا: عندها يُنتقل إلى القيمة، ولا يلزمه دفع العين ولا دفع المثل إذا كان المثل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير