تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استدامة قبض الرهن شرط في لزومه قال رحمه الله: [واستدامته شرط]. استدامة القبض شرط، أي: أن يبقى الرهن عندك، ويكون تحت يدك وفي حوزتك، فلو أنه أعطاك السيارة ثم جاء في يوم من الأيام وأخذ مفتاحها وقادها من بيتك أو من مزرعتك، وأخرجها من المكان الذي وضعتها فيه، فحينئذٍ يزول لزوم الرهن، فإن ردّها بعد ذلك رجعت لازمة بعد الرجوع. إذاً: استدامة القبض شرط في لزوم الرهن؛ لأن الله قال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، وهذا الوصف لازم وباقي؛ لأن الرهن ليس بيعاً بحيث نقول: ننظر إلى ابتدائه؛ لأن بعض العقود ننظر إلى ابتدائها، وبعض العقود ننظر إلى مآلها، فالرهن ننظر إلى مآله؛ لأن الرهن لا يُراد لذاته، أنت حينما تعطي العمارة رهناً لقاء (مليون)؛ فإنك لم تقصد بيع العمارة (بالمليون)، وإنما قلتَ له: إن عجزت عن سداد (المليون) كان من حقك بيعها، ثم بعد ذلك تأخذ حقك، وعلى هذا فالعمارة في الأصل ملك للمدين، وعليه فليست في حكم المبيع من كل وجه، إنما هي بمثابة الاستيثاق، فلا بد أن تبقى تحت يد المرتهن؛ لقول الله عز وجل: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فإن خرجت عنه خرجت عن وصف الرهن؛ لأنها لم تصل إلى المآل، بحيث بِيعت أو تُصُرِّف بها، وإنما هي باقيةٌ وأمانةٌ، وإذا سُحِبت منه زال اللزوم؛ لأن وصف القبض المستصحب في الرهن قد زال.

خروج الرهن بالاختيار يزيل لزومه فإن رد عاد لزومه قال رحمه الله: [فإن أخرجه إلى الراهن باختياره زال لزومه، فإن رده إليه عاد لزومه إليه]. قوله: (فإن أخرجه) أي: المرتهن صاحب الدين، أي: أخرج الرهن، فمثلاً: عندك سيارة، وجئت إلى رجل وقلت له: أقرضني عشرة آلاف ريال، فقال: أعطني سيارتك رهناً، فقلت له: هذه السيارة وهذه مفاتيحها رهن عندك وأعطني العشرة آلاف، فأعطاك العشرة آلاف. ثم بعد ذلك جِئتَ في يوم من الأيام فقلت له: يا فلان! عندي ظرف، وأريد أن أسافر إلى المدينة بأهلي، فهل تأذن لي أن آخذ السيارة؟ فقلت: خذها، فإذا أخرجتها فقد أخرجتها باختيارٍ منك ورضا منك، فيزول اللزوم، وأنت مأجور ومثاب على هذا الفعل، حيث قدرت ظرفه وأعطيته. لكن لو جاءك وقال: أريد السيارة لأسافر بها أو أذهب بها، فقلت له: لا أُعطيك؛ كأن تعرف أنه مماطل، أو رجل مخادع، ولم تأمن، فقلت له: لا أعطيك، فذهب، ولما نمت جاء إلى مكانها وأخذ المفتاح الذي عنده فقاد السيارة واستخرجها، فهل نقول: قد زال اللزوم؟ هنا خرجت بغير اختيارك، وفي هذه الحالة يكون قبضه لها غير لاغٍ لصفة القبض الأصلية، ويبقى الرهن كما هو؛ لأن الإخراج من اليد كان على سبيل القهر، والختل، والخلسة، وهكذا لو هددك فأخذها بالقوة والقهر، فإنه لا يزول وصف القبض، ولا تزول الأحكام، بل تبقى؛ لأن خروجه بغير اختيارك، والشرط أن يكون الخروج بالاختيار لا بالاضطرار. فإن كان الخروج بالإكراه أو بالغصب أو بالخلسة والخديعة، فوجوده وعدمه على حدٍ سواء. فقد اشترط رحمه الله وجود الاختيار الذي ينبني عليه اعتبار الإخراج، وعدم لزوم الرهن. وقوله: (فإن ردَّه إليه عاد لزومه إليه، أي: إن رد الرهن -كالسيارة- بعد أن قضى منه حاجته؛ رجع اللزوم إليه، أي: رجع الرهن إلى حكم اللزوم.

عدم نفاذ التصرف في الرهن من أحد الطرفين من غير إذن الآخر قال رحمه الله: [ولا ينفذ تصرف واحدٍ منهما فيه بغير إذن الآخر]. قوله: (ولا ينفذ) النفاذ: السَّرَيَان، وهناك شيء يسميه العلماء: النفاذ والوقف، أي: هناك عقد نافذ، وعقد موقوف، والعقد النافذ: هو الذي تتوفر فيه الأركان والشروط المعتبرة، فيُحكَم بنفاذه وسَرَيانه، والعقد الموقوف: هو الذي تعترضه عوارض تمنع من سريانه، كما ذكرنا في بيع وشراء الفضولي، على القول بصحته، لكنه يبقى موقوفاً على إجازة المالك الحقيقي. ومعنى كلامه رحمه الله: أنه لا ينفذ تصرُّف أحدهما في الرهن، فلو أنك أخذت الرهن وقبضته، ودفعت للرجل عشرة آلاف ريال، ثم إن الراهن أخذ وثيقة الرهن -كصك البيت مثلاً- وباعه، أو أخذ استمارة السيارة وباعها، فإن هذا التصرُّفُ من الراهن في الرهن وعليه يد القبض تصرُّفٌ لاغٍ؛ لأن الرهن الآن لازمٌ وثابتٌ ومحتكرٌ لحق الأول، وهو صاحب الدين، فإذا تصرَّف صاحب الرهن في الرهن بالبيع مثلاً، فإنه حينئذٍ قد عَطَّل هذا العقد الشرعي، ولو كان بيع الرهن يصح، وهو مقبوض

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير