تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النسيان لا يسقط الضمان، فمن نسي وجب عليه أن يضمن، وأكدوا هذا بأن النسيان والخطأ جاريان من باب واحد، ولذلك لو قتل خطأً لأُلزم بالضمان، وهكذا لو نسي فحصل منه حلق للشعر، أو تقليم للأظفار، فإنه يُلزم بالضمان. القول الثالث: التفصيل، فبعض العلماء يفصِّل بين ما يمكن تداركه وما لا يمكن تداركه، فالذي يمكن تداركه مثل الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه الأشياء إذا نسيها ولبس عمامة على رأسه وهو محرم، أو نسي ولبس ثوباً وهو محرم، فإنه إذا تذكّر ونزعها أمكنه التدارك، قالوا: في هذه الحالة لا شيء عليه، واحتجوا بحديث صفوان بن يعلى بن أمية -الثابت في الصحيح- عن أبيه: (أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرّانة وعليه جبّة عليها أثر الطيب، فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: انزع عنك جبتك واغسل أثر الطيب الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حجك)، فهذا الرجل أحرم بالعمرة وأخطأ عندما تطيب ولبس الجبة، ومع ذلك لم يُلزم بالضمان. قالوا: هذا محظور يمكن تداركه، فقال له: (انزع عنك جبتك)، فلما نزعها مباشرة أمكنه التدارك، أما لو كان من جنس ما لا يمكن تداركه، كتقليم الأظفار، فلا يمكنه أن يعيد الظفر مرة ثانية، وهكذا بالنسبة لحلق الشعر، لا يمكن أن يرده، فإنه يُلزم بالضمان، وهذا القول يختاره جمعٌ من العلماء رحمهم الله، وهو الأشبه والأقوى، والله تعالى أعلم.

استقبال الحجر الأسود مع التقبيل وإن تعذر أشار السؤال: هل يلزم المحرم أن يستقبل الحجر الأسود بكله عند كل شوط، أم في بداية الشوط الأول أثابكم الله؟ الجواب: الثابت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وغيره، أنه ابتدأ طوافه فاستلم الحجر، ومن هنا وقع منه عليه الصلاة والسلام استقبالٌ للحجر عند ابتدائه، فاستلم الحجر وقبّله، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام عند تعذُّر الاستلام الإشارة، ومن هنا قالوا: يكون استقباله بالتقبيل، أي: يستقبل الحجر ويقبِّل ويكون في حكم المقبِّل، وإذا تعذّّر عليه أن يقبل، فإنه يكتفي بالإشارة، والله تعالى أعلم.

صحة حج من عليه دين مقسط مع الاستئذان من الدائن وعدمه السؤال: إنسان عليه دينٌ مقسّط، فهو يسدد كل قسط في موعده، فهل يصح منه الحج تطوعاً أو فرضاً أثابكم الله؟ الجواب: إذا كان عليه دين، واستأذن من صاحب الدين فلا بأس، إلا أن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: الديون المقسطة إن دفع آخر قسطٍ منها وكان عنده سداد بحيث لا يفرِّط، أو لا يعرِّض صاحب الدين لضياع ماله، فإنه يصح منه أن يحج ولو لم يستأذن، وهذا القول له قوة، إلا أن الأول أحوط، والله تعالى أعلم.

حكم الاستئجار للحج السؤال: من حج عن غيره، فهل له أن يأخذ ما زاد من المال الذي حج به أثابكم الله؟ الجواب: هذه داخلة في مسألة الإجارة على الحج، وهي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: يسمونها: إجارة البلاغ، وإجارة البلاغ أن تتكفل بدفع النفقة ذهاباً وإياباً، وتدفع ثمن الهدي ونحو ذلك مما يكون من مصاريف الإنسان في العرف، فإذا قال الشخص: أنا أحج عن ميِّتك فلان، وأنت تتحمّل مصاريف الزاد، ومصاريف الراحلة والركوب، صحّ هذا النوع من الإجارة، لقول جمهور العلماء رحمهم الله، ولا بأس به. في هذه الحالة، يقوم هذا الشخص بفعل الحج، ويستأجر ويركب ويأكل، وينتفع في حدود المعروف، فإن بذخ وتجاوز وزاد على المعروف فإنه يتحمل مسئولية ذلك الشيء الزائد، مثال ذلك: لو أمكنه أن يركب بخمسمائة ركوب مثله، فركب بسبعمائة، فالواجب عليك دفع خمسمائة، فأنت تتكفل بنفقة الركوب ونفقة الطعام والشراب، وما يحتاج إليه مثله فقط. هذا بالنسبة لمسألة إجارة البلاغ، إلا أن هذا النوع من الإجارة له أحكام خاصة، فيما لو فسد الحج، أو طرأت أمور في داخل الحج توجب فساده أو توفِّي إلى غير ذلك من الأمور التي قد تطرأ، وقد بحث العلماء رحمهم الله جميع هذه المسائل. الحالة الثانية: ما يسمى: بإجارة المقاطعة، وإجارة المقاطعة أشبه بالبيع والشراء كأن يقول لك: أنا أحج عنه بخمسة آلاف، إن زادت فلي ما زاد، وإن نقصت فعلي تكميل ما نقص، وهذا النوع ضعيف، والأشبه عدم جوازه، والصحيح عند العلماء النوع الأول، وهو أن تكون الإجارة على الكلفة. ففي النوع الأول، إذا أعطيته ثلاثة آلاف وذهب وحجّ، وزاد في تكلفة حجه خمسمائة ريال، وكان ذلك بالمعروف، فإنك تُلزَم بدفع الخمسمائة، وتكمِّل له ما نقص، ولو أخذ منك ثلاثة آلاف، فاستكفى بألفين وخمسمائة، لزمه أن يرد الخمسمائة، وإن سامحته وقلت له: خذها، فهذا أمرٌ لا بأس به؛ لأنه مالٌ بطيبة نفسٍ ورضا، والله تعالى أعلم.

جواز الفدية بأنثى الماعز بدلاً عن الشاة السؤال: هل تصح الفدية بأنثى الماعز بدلاً عن الشاة أثابكم الله؟ الجواب: بالنسبة للشاة فيجزئ فيها الذكر والأنثى من الشياه والماعز، إلا أنها في جزاء قتل الصيد فيها تفصيل عند العلماء رحمهم الله، فإن كان الذي قتله من الصيد ذكراً، وجب أن يكون مثله ذكراً، فمثلاً لو قتل ذكر نعامة أو بقر الوحش للزِم ضمانه بالذكر، وهو الثور، وإن قتل الأنثى لزِم الضمان بالأنثى، إلا أن هناك خلافاً إذا كانت الأنثى حاملاً، وكان قتله لحامل، فهل يضمن بقتل الحامل؟ قالوا: إذا كان المقتول حاملاً، فإننا إذا أوجبنا عليه بقرة حاملة، وقلنا له: إنه يذبحها لأن الله يقول: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، هذا الجزاء المثلي يُذبح بمكة ويُتصدق به على فقراء الحرم، فهل إذا قلنا: تكون من الأنثى الحامل، فهل ينحرها إذا كانت بدنة حاملاً، أو بقرةً حاملاً، أم أن الحكم فيه تفصيل؟ من العلماء من قال: إن كانت حملاً وأراد الذبح، فإنه لا يذبحها حاملاً، وأما إذا كان يريدها قيمة تكون عليه مقدَّرة حاملاً، ويدفع قيمتها كما سبقت الإشارة إليه في كتاب المناسك، والله تعالى أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير