تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اندفعت عنه اليمين بالصلح في حال المخاصمة، وسيأتي إن شاء الله بيان أحكام هذا النوع.

الصلح مع السكوت النوع الثالث: أن يقول الخصم: لي على محمد ألف، فسأل القاضي محمداً: هل لزيد عليك ألف؟ فسكت ولم يقل (نعم) فيُقر، ولم يقل (لا) فيُنكر، فلا ندري أهو منكر أو مقر، وهل يُعتبر مَن سكت مُقِراً أو لا؟ والقاعدة عند العلماء: (لا يُنسب لساكت قول) إلا أن هناك مسائل ذكرها العلماء رحمهم الله ونصّت الشريعة على اعتبار السكوت فيها بمثابة الرضا، مثل سكوت الأبكار ونحو ذلك. لكن في هذه الحالة الرجل لم يُقر ولم يُنكر، فإن حصل الصلح قبل حدوث الإقرار أو الإنكار اصطلح الخصمان في هذه الحالة. إذاً: للصلح ثلاثة أحوال: الصلح حال الإقرار، والصلح حال الإنكار، والصلح حال السكوت حيث لا إنكار ولا إقرار.

صور الصلح مع الإقرار الحالة الأولى: الصلح مع الإقرار. الإقرار: أصله من قَرَّ الشيء إذا ثبت، والإقرار في عرف العلماء: الاعتراف، ويعتبر هذا النوع من أقوى الحجج القضائية والتي يسميها العلماء (حجة الإقرار)، والسبب في ذلك أنه شهادة من الإنسان على نفسه، والإنسان بحكم ما أودع الله فيه من نور العقل لا يشهد على نفسه بالضرر. وليس هناك إنسان أعطاه الله عقلاً، وهو في عقله وإدراكه على ما يظهر لنا من حاله يشهد بالضرر على نفسه، فإذا شهد على نفسه بحق فقيل له: هل لفلان عليك ألف؟ فقال: نعم، له علي ألف؛ فالأصل أنه صادق، وكما يقول بعض المعاصرين: (الإقرار سيد الأدلة). فإذا وقع الإقرار والاعتراف من الخصم لخصمه، فقال: لزيدٍ علي ألف، ففي هذه الحالة نحكم بثبوت الألف، والألف كما هو معلوم حقٌ مالي لشخص معيّن وهو المدَّعِي زيد. لكن السؤال الآن: إذا وقع الإقرار وثبت أن لزيد على عمرو ألفاً؛ فماذا يقع؟ لا يخلو الأمر من صور: ...... الصورة الأولى: أن يتنازل المدعي عن حقه الصورة الأولى: أن يتنازل زيد عن حقه، وهي صورة الإسقاط، فيقول ما دمت قد أقررت بحقِّي فأنا مسامحك، أو أنا متنازل عن حقي، أو نحو ذلك من ألفاظ الهبة أو الصدقة.

الصورة الثانية: مطالبة المدعي بحقه كاملاً الصورة الثانية: إذا سأل القاضي محمداً: هل لزيد عندك ألف، فقال: نعم؛ فحينئذ يُطالب القاضي الخصم أن يطالب خصمه بدفعها، فيقول: مادام أن محمداً قد اعترف بألفِي فأرجو من القاضي أن يُطالبه بدفعها، فيطالِب وهذه الحالة عكس الحالة الأولى فإنه في هذه الحالة -الثانية- يقول: أريد حقي كاملاً وهو الألف الذي على محمد. ففي الحالة الأولى إذا قال: نعم. لزيد علي ألف، فقال زيد: أبرأته وسامحته، أو: هي صدقة مني عليه، أو: هي هبة مني له، فلا إشكال بإجماع العلماء، وقد تقدّم معنا في باب القرض وغيره أن صاحب الحق إذا تنازل عن حقه فلا إشكال فيه. أي أنه من حقك إذا كان لك دين على أحد أن تُسقط كل المال، كما أن من حقك أن تأخذ هذا المال وتتصدق به، سواءً أسقطته بطريق الصدقة كقولك له: هو صدقة مني عليك، أو أسقطته عن طريق الهبة فقلت: هو هبة مني لك، لكن إن أسقطته على سبيل الصدقة فحكمه حكم الصدقات، كما سيأتي إن شاء الله، وإن أسقطته على سبيل الهبة فقلت: وهبتك هذا المال، فحكمه حكم الهبة، وتسري عليه جميع أحكام الهبات. لكن أنبه أن باب الصلح في ظاهره صلح، لكن أهم ما فيه من المسائل أنك تنتقل من باب الصلح إلى أبواب أُخر، فقد تنتقل إلى باب البيع، وقد تنتقل إلى باب الإجارة، وقد تنتقل إلى باب الصدقة أو باب الهبة. فإذا كان الشخص قد أسقط حقه الذي على خصمه بطيب نفس منه ناوياً الصدقة فصدقة، وإن كان بقصد الهبة فهو هبة ... إلخ. فهذه الحالة لا إشكال فيها .. أن يتنازل عن جميع حقه فتُسمى حالة: الإسقاط أو الإبراء. والحالة الثانية: أن يطالب بجميع حقه، ولا إشكال فيها أيضاً؛ لأنه إذا ثبت في مجلس القاضي وحكم القاضي بإقرار الخصم أن عليه للمدعي هذا المال؛ فالواجب شرعاً أن يطالب المدين بسداد دينه الذي عليه، ويُطالب من حمل الحق بأدائه والوفاء به لصاحبه، هذا في حالة ما إذا طالبت بحقك كاملاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير