تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]، فالصغير لا يُحسن النظر لنفسه، والشرع لا يجيز تبرع مثل هذا. وكذلك إذا كان صغيراً لمصلحة نفسه كالأيتام، أو كان مجنوناً، لأن المجنون لا يحسن التصرف في ماله، وهذا من رحمة الله ولطفه بعباده، فلو أن المجنون يُعطى ماله، لأضاع ماله في طرفة عين، ولربما حرق ماله، ولربما قطّعه؛ لأنه لا يعي ولا يُدرك، فلو قال مجنون لآخر: سامحتك فيما لي عليك؛ لم يصح. كذلك يُحجر على الإنسان لحق الغير ولحق نفسه؛ كالسفيه، وهو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء لغيره، فهؤلاء الثلاثة: (الصغير، والمجنون، والسفيه)، هؤلاء الثلاثة يُحجر عليهم لمصلحة أنفسهم. وهناك من يُحجر عليه لمصلحة غيره، مثل المريض مرض الموت، فإنه إذا تبرّع في مرض الموت، لم يصح تبرُّعه إلا في حدود الثلث -ثلث المال فقط- فإن تبرّع بأكثر من الثلث فهو حق للورثة، إن شاءوا أمضوا تبرعه، وإن شاءوا ردوه. فلو أن رجلاً كان في مرض الموت وترك مليون ريال إرثاً، وقال: تصدقوا بالمليون كلها، فإنه لا ينفذ تبرعه إلا في الثلث، لحديث سعد في الصحيحين: (يا رسول الله! إن لي مال وليس لي ورثة إلا ابنة، أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا. قال: افبثلثيه؟ قال: لا. فبنصفه؟ قال: لا. قال: افبثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). فلو فُتح الباب للناس أن يتصدقوا لصار كل إنسان ثري يقول عند موته: آخذ مالي وأتصدق به أفضل من أن أتركه لأولادي فيكون في ذلك إضرار بالورثة، والشرع جاء بالوسطية، فأعطاه الثلث يتصدق به. فلو أنه في مرض الموت، وجاء شخص وأقرّ له مليون ريال، فقال له: سامحتك بالمليون التي لي عليك، ثم توفي، وطالب الورثة بعد وفاته، وقالوا: فلان جاء لمورِّثنا في فراش الموت، وأقر له بحقه، فأسقط عنه وأبرأه من جميع الدين، والإبراء مستغرق للثلث وزيادة، فسألوا القاضي أن يصحح الإبراء في الثلث، وأن يرد لهم ما زاد، فإن القاضي يصححه في الثلث ويرد ما زاد. وهذه تبين أهمية باب الصلح، فأنت تنتقل من باب إلى باب، ومن هنا ترى أن الشريعة يرتبط بعضها ببعض، كالبناء المحكم، وتجد كل كلمة وكل عبارة يتكلم بها المكلف لها حكمها، ولا يُظلم الناس، وإنما يُؤخذون بحقوقهم دون زيادة أو نقص. فإن أبرأ وأسقط دينه والحق لغيره والمال لغيره، صحّ فيما يملك، ولم يصح فيما زاد عنه، فهذا معنى قوله: (أو ممن لا يصح تبرعه) فإن كان الإسقاط والتنازل عن الدين من شخص لا يصح منه الإسقاط ولا التنازل عن الديون كلية؛ أسقطنا ذلك الصلح على -هذا الوجه- كلية، وإن كان الإسقاط والإبراء من شخصٍ يصح تبرعه بالبعض دون البعض، صح فيما أذن الشرع به ولم يصح فيما عداه. ...... حكم الصلح على تأجيل معجل أو تعجيل مؤجل أو على بعض المال عوضاً عن بعض ...... الصلح على الإسقاط والتأجيل قال رحمه الله: قال رحمه الله: [وإن وضع بعض الحالّ وأجّل باقيه صح الإسقاط فقط] تقدَّم معنا مسألة الدين الحال والدين المؤجل، وبيّنا ذلك وذكرناه في باب القرض، وذكرنا الأحكام المترتبة على حلول الديون وتأجيلها. فلو كان الدين حالاً وأجله. أي: أقر به وصالحه، فأسقط عنه نصفه وجعل النصف الباقي مؤجلاً، صح الإسقاط ولم يصح التأجيل؛ لأنه لا يصح تأجيل الحال، وقد تقدّمت معنا هذه المسألة في مسألة القرض، أنه لا يصح تأجيل الديون الحالة لتعلُّق الذمم بها، وقد بينا وجه ذلك في موضعه في باب القرض. ومراد المصنف هنا: أننا في تارةً نكون في باب البيع، وتارةً نكون في باب الإجارة، وتارةً نكون في باب الهبة، وتارةً نكون في باب القرض على نفس التفصيل الذي تقدَّم معنا، المهم أن المصنِّف يريد أن يعطيك مسألة بحيث تخرِّجها على أصلها وتعطي الحكم على الأصل الذي قرره الشرع في ذلك. فأنت إذا عرفت أن الحالّ لا يتأجل، فإن كان الصلح قام على تأجيل الحالّ أو مؤجلٍ ومعجل، فإنه لا يصح، وكل ما سيذكره المصنف لا يخرج غالباً عن هذا الذي ذكرناه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير