تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأنه لو فتح الباب في مثل هذا لاغتصب كثير من الناس أموال الآخرين، فإذا ارتفعوا إلى القاضي قال المغتصب: اركب السيارة إلى مكة وأعطه حقه، ونحو ذلك، وهذا معروف، فيصير ذلك معونة على أكل أموال الناس بالباطل، فالشريعة أغلقت هذا الباب، وحينئذٍ يقول العلماء: إنه لا يصح؛ لأنه في هذه الحالة عاوضه عن جزءٍ من ماله لكن بجزء من ماله، وفيه فتح ذريعة أكل المال بالباطل. ولذلك لا يحكم الشرع بصحة هذا النوع من المصالحة المبنية على المشارطة باستحقاق المنافع التي هي جزء الأعيان المستحقة، وكأنه صالحه بالبعض عن البعض، أو صالحه ببعض ماله عن كله. إلا أن بعض العلماء يقول: يجوز في حال ما إذا كان ناظراً لوقفٍ أو كان ولياً لأيتام، ورأى أنه إذا خاصم هذا الخصم سيضيع المال كله، فاحتاج أن يصالحه ليقع الضرر على بعض المال دون كله، فقالوا: إن هذا يجوز للضرورة، واستدلوا على هذا بقوله تعالى في قصة الخضر مع موسى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، فقالوا: إن الخضر كسر جزء السفينة وهو اللوح، وأفسد جزء السفينة لاستصلاح الكل، فقالوا: يجوز إذا كان ناظراً للوقف أو ولياً لأيتام أن يضحي بجزء المال لقاء كسب المال كله، فيجوز بالنسبة لولي الأيتام، ويكون المال مال الأيتام، ولكن لا يجوز ولا يحل لمن اغتصبه وأخذه بدون حق. فهو في الظاهر يجوز أن ترضى بهذا دفعاً للضرر الأعظم، وذلك من باب ارتكاب أخف الضررين، لكن لا يحل للخصم أن يأخذ ذلك إذا كان يعلم أنه ليس له. فقوله: [أو أقر له ببيت فصالحه على سكناه سنة أو يبني له فوقه غرفة] أي: فكل هذا لا يجوز، وقد تقدمت الأمثلة ونحن دائماً نقول: المهم في كتب الفقه أن نفهم القاعدة؛ لأن الأمثلة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ممكن الآن أن يقول: (عمارة)، بدل (بيت)، ممكن أن يقول له: أنا أصالحك على هذه العمارة على أن أسكنها سنة، أو أسكنها شهراً، أو بالسيارة، لأن المسألة مسألة المنافع، والقاعدة عندنا قاعدة المنافع، والمهم لطالب العلم أن يكون عنده نوع من الفهم للضوابط والأصول العامة، حتى يستطيع أن يخرج المسائل النازلة عليها، أما لو حفظ أنها غرفة، وحفظ أنها دار، وأنه بر أو شعير أو ملح، وانحصر في الأمثلة القديمة؛ فلن يستطيع أن يطبقها على الأمثلة المعاصرة، فأياً ما كان فالعبرة أن يصالحه بالبعض عن الكل إما عيناً وإما منفعة.

الصلح على عبودية أو زوجية قال رحمه الله: [أو صالح مكلفاً ليقر له بالعبودية] (أو صالح مكلفاً) أي: حراً، (ليقر له بالعبودية) أي: لم يصح، لأن الحر لا يُسترق إلا بحكم الشرع. والصلح على هذا الوجه يُحِل حراماً، ودليل هذه المسألة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إلا صلحاً أحل حراماً)، فقالوا: إن الحرام استرقاق الحر على هذا الوجه الذي لا يأذن به الشرع، فيعتبر لاغياً وفاسداً. قال رحمه الله: [أو امرأة لتُقر له بالزوجية بعوض لم يصح] أي: كذلك لو أنه صالح امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح، لأن هذا ليس بنكاح شرعي، فهو يتوصل به إلى محرّم؛ لأن المرأة أجنبية عنه، فلو قال: أصالحك على أن تعترفي بأنك زوجة لي وهي ليست بامرأة له، وخاصمها عند القاضي على أنها زوجة له، وليس هناك دليل على هذا، فأوعز إليها أن تُقِر أنها زوجة له من أجل أن يُسقط حقها، فإنه لا يجوز هذا، حتى لو اصطلح مع المرأة عن مخاصمته لها على أساس أن تقر له بالزوجية؛ لأنها أقرت بحرام، لأنها ليست بزوجة له، ولم يحكم شرع الله عز وجل بكونها زوجة له، فلا وجه لتحليل ما حرم الله. وعلى هذا فالمسألة مندرجة تحت قوله: (إلا صلحاً أحل حراماً)، فهنا الصلح يحل الحرام، لأنه يتوصل إلى رق الحر بدون وجه شرعي، ويتوصل إلى الزوجية بدون وجه حق، وذلك لم يحكم به الشرع، فيُعتبر من تحليل ما حرّم الله. ونسأل الله العظيم أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ويجعل ما تعلمناه وعلمناه موجباً لرضوانه والفوز بعظيم رحمته وجنانه، إنه ولي ذلك والقادر عليه ....... الأسئلة ...... حكم الرجوع عن الإقرار السؤال: من أقر بأمر فهل يُلزم بإقراره ولا يمكنه التراجع، أم يُستثنى من ذلك كمن أقر بالسرقة ونحوها؟ الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير