تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شرح زاد المستقنع - باب الحجر [1] من أبواب الفقه المشهورة: باب الحجر، وهذا الباب متضمن لأسرار وحكم عظيمة، وهو من محاسن الشريعة التي تحفظ مصالح الأفراد والجماعات، وتحفظ الحقوق لأهلها، حتى ولو تطلب الأمر منع شخص من التصرف في ماله على تفصيل في أحكام المفلس. تعريف الحجر ومشروعيته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الحجر] الحجر في لغة العرب: المنع، يقال: حجره عن الشيء، إذا منعه وحال بينه وبين الوصول إليه، ولذلك سمي الحِجرُ حِجراً؛ لأنه يمنع الطائف بالبيت من الدخول إلى هذا الموضع الذي فيه جزء من البيت لا يصح الطواف إلا باستيعابه، وسمي العقل حجراً؛ لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي الأمور التي لا تليق به كما قال تعالى: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5] أي: لذي عقل يمنعه ويحجره ويحول بينه وبين ما لا يليق به. وأما في الاصطلاح: فهو منع نفوذ التصرف في الأموال؛ فالحجر في الشرع إذا أطلق فالمراد به الحجر في التصرفات المالية، بمعنى: أن من يُحكم عليه بالحجر لا ينفذ تصرفه في أمواله لا ببيع ولا بشراء ولا بهبة ولا بنحو ذلك من التصرفات، بل يكون عليه ولي ينظر الأصلح والأحظ في هذه المعاملات. ...... الدليل على مشروعية الحجر والحكمة منه الأصل في مشروعية الحجر أن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] فحرم الله عز وجل علينا تمكين السفهاء من الأموال؛ لأنهم لا يحسنون التصرف فيها، وإذا تصرف السفهاء في أموالهم بذَّروا وأسرفوا، وعندها تضيع الأموال وتحصل الخصومات والنزاعات بسبب البيوع التي لا تكون على السنن، ومن هنا حكمت الشريعة بالحجر. والناس في التصرف في المال على قسمين: - قسم منهم رزقه الله حسن النظر وحسن التصرف، فإذا أعطاه الله المال اتقى الله في المال، فأحسن التصرف فيه من جانبين: الجانب الأول: من ناحية الدين: فيحفظ المال عن حرمات الله أن ينفقه في معاصي الله، وكذلك ينفق المال في طاعة الله، فهذا رشيد في دينه، فالرشد في المال من ناحية الدين أن يحفظه عن محارم الله عز وجل، وأن ينفقه في وجوه الخير التي ترضي الله عز وجل. وأما رشد الدنيا: فإنه يكون رشيداً في ماله من ناحية دنيوية إذا أحسن النظر، فأحسن الأخذ لنفسه والإعطاء لغيره، فيشتري الأشياء بقيمتها التي تستحقها، ويبيع الأشياء بقيمتها التي تستحقها ولا يغبن. وكذلك أيضاً من الإحسان في التصرف في الدنيا ألا يسرف في المباحات، وإنما يسعى في مصلحة ماله بحفظه وتنميته ورعايته وصيانته، ويكون بذلك على السنن. هذا بالنسبة لرشد الدين والدنيا، فهذا النوع من الناس أموالهم محفوظة ولهم الحق في النظر في أموالهم؛ لأن من ملك مالاً ملكاً شرعياً فهو أحق بالتصرف فيه، ولا يحال بينه وبين التصرف فيه بالأصلح. أما القسم الثاني من الناس: فهم الذين لا يحسنون التصرف في أموالهم، وهؤلاء يكون سبب عجزهم عن حسن التصرف إما الصغر أو ضعف العقل كالمجنون أو السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله، فهؤلاء شرع الله عز وجل أن يحجر عليهم، بمعنى: ألا نمكنهم من التصرف في أموالهم. وإذا حُجر عليهم يقام عليهم شخص ينظر في مصالحهم، فالأيتام إذا توفي والدهم وترك لهم أموالاً؛ فإن هذه الأموال لو مكنا الأيتام منها لأضاعوها، فصغير السن ربما جاءه شخص وبكى عنده واستعطفه فأعطاه جميع ماله، ولربما جاءه شخص وأثنى على سلعة ما ورغبه في شرائها فأعطاه ما لا يعطى في تلك السلعة، فليس عنده من العقل والإدراك وحسن النظر ما يمكنه من وضع المال في موضعه. فشرع الله أن يمنع هؤلاء من التصرف، والتصرف يكون بالقول كقوله: بعت واشتريت ووهبت وتصدقت ونحو ذلك، وهذا كله لا ينفذ، من ناحية القول ومن ناحية الفعل، كأن يعطي بيده لأحد، فدلالة الفعل هذه تنزل منزلة دلالة القول كما بينّا في البيوع في بيع المعاطاة. وأياً ما كان فالذي يهمنا أن الناس على قسمين: - قسم منهم يحسن النظر في أمواله. - وقسم منهم لا يحسن النظر في أمواله. والشريعة الإسلامية أعطت كل ذي حق حقه، فمن رزقه الله حسن النظر في ماله يقوم على ماله، وهو أحق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير