تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأصل في مشروعية الحجر على هؤلاء قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5].

الحجر على الصغير قوله: (والصغير) والصغير هو الصبي، وهو الذي دون البلوغ، والصبي مأخوذ من الصبى وهو ضد الحلم والبلوغ، والأصل في الحجر عليه عموم قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] ولذلك قال طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمفسرين من التابعين وغيرهم: إنه يدخل فيهم الصغار، ولذلك أمر بالحجر على الأيتام. واليتيم من توفي أبوه وهو دون البلوغ، فلو كان الصبي يستحق أخذ ماله لأخذه اليتيم، والله نهى عن إعطاء اليتيم ماله، وأمر باختباره عند البلوغ فقال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فقال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] وجعل الابتلاء لما قبل البلوغ، واشترط لفك الحجر على اليتيم شرطين: الشرط الأول: أن يبلغ، فدل على أنه قبل البلوغ لا يزال تحت الحجر. والشرط الثاني: أن يكون رشيداً بعد بلوغه، فإن بلغ غير رشيد فإنه يستمر الحجر عليه كما سيأتي. قال المصنف: (الصغير) ولم يقل: اليتيم؛ لأن الصغير يشمل الصغير الذي أبوه موجود، واليتيم الذي فقد أباه، وهذا صحيح، ولذلك من الخطأ أن نقول: يحجر على السفيه واليتيم، ولذلك انظر إلى دقة العلماء قال: (والصغير) وبعضهم يقول: (والصبي) والصغير أفضل لأن المراد به جنس الصغير ذكراً كان أو أنثى.

الحجر على المجنون قوله: (والمجنون لحظهم). سواءً كان جنونه متقطعاً أو مستديماً، فهؤلاء يحجر عليهم، أما المجنون المتقطع فإنه إذا أفاق وكان رشيداً رد إليه ماله، وأما إذا كان جنونه مستديماً فإنه يستمر عليه الحجر. الخلاصة: أن المجنون واليتيم بإجماع العلماء يحجر عليهما، والخلاف في السفيه فقط، فجمهور العلماء على أن السفيه يحجر عليه، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث -رحمة الله على الجميع- أن من كان بالغاً ولا يحسن التصرف في ماله فإنه يحجر عليه لقوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]. وخالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة النعمان -عليه من الله الرحمة والرضوان- فقال: لا يحجر على من بلغ خمساً وعشرين، وقال: إن البالغ لا يحجر عليه. واحتج بآيات الكفارة، وقال في بعض الروايات عنه: إذا بلغ إحدى وعشرين سنة فلا يحجر عليه، وفصل في اليتيم إذا بلغ سفيهاً فقال: يستمر الحجر عليه إلى خمس وعشرين. وأما من بلغ إحدى وعشرين ثم حصل منه سفه بعد الواحد والعشرين فلا يحجر عليه، واستدل بآيات الكفارات، فقال: إن الله تعالى أوجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يكفر بعتق الرقبة، ففعل هذا الجماع وهو صائم في نهار رمضان سفه بل جمع بين سفه الدين والدنيا، ومع ذلك خاطبه الله بعتق الرقبة وبإطعام ستين مسكيناً، فدل على أنه يملك المال وأن من حقه أن يتصرف في المال وأنه لا يحجر عليه، وهذا ضعيف؛ فإن الآية صريحة في قوله: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] وهي نص في موضع النزاع. وأما مسائل الكفارات فإنه لا تعارض بين عام وخاص، نقول: هذا عام وهذا خاص، ويستثنى من ذلك حقوق الكفارات كما استثناها الجمهور. المسألة الثانية في قوله: إنه إذا بلغ إحدى وعشرين صار جداً، والجد لا يحجر عليه، يقول: لأن الرجل يمكن أن يصبح جداً وعمره واحد وعشرون سنة، فلا يتأتى ولا يليق أن الرجل جد -وهو والد لولد وولد الولد- ويحجر عليه، وهذا دليل النظر والعقل، وهذا ضعيف؛ لأنه عقل في مقابل نقل، وثانياً أن مسألة كونه جداً أو ليس بجد لا يؤثر فالعبرة بإحكام النظر في المال. ولو سألناهم: لم توافقون على الحجر على اليتيم؟ قالوا: لأنه لا يحسن النظر لنفسه. نقول: إن هذا الكبير مع اليتيم شاركه في عدم إحسان النظر في ماله، فحجر عليه كما حجر على اليتيم، وأياً ما كان فالصحيح مذهب الجمهور: أنه يحجر على السفيه سواءً كان بلغ إحدى وعشرين أو لم يبلغها، ويستمر الحجر عليه ولو بلغ خمساً وعشرين سنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير