تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نرى أن الإتلاف سبب للضمان بغض النظر عن المتلف، سواءً كان صغيراً أو كبيراً، إذ لو قلنا بعدم ضمان الصبيان لأمكن لكل مفسد أن يأخذ جملة من الصبيان ويوعز إليهم أو يأمرهم بالإتلاف والإفساد، فهذا يفتح باب شر عظيم، ثم أيضاً نفس الصبية يتمردون ويكون ذلك سبباً لأذية الناس. فالصبي إذا أتلف يضمن، وإذا كان ليس عنده يتحمل والده ويضمن عنه؛ فحينئذٍ كأن الشريعة تنظر إلى من يعين الصبي على إفساده، فإن أولياءه متى علموا أنه إذا أتلف يؤاخذون؛ فإنهم سيأخذون على يديه ويحافظون عليه. أما من حيث الحكم التكليفي من أنه يأثم: فلا يأثم؛ لأن الصبي لم تتوفر فيه أهلية المؤاخذة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي داود و أحمد في مسنده وهو حديث صحيح: (رفع القلم عن ثلاثة) وذكر منهم الصبي والمجنون. ومن هنا قالوا: إن الهازل إذا طلق يؤاخذ بطلاقه من باب الحكم الوضعي لا من باب الحكم التكليفي، كما أن الحكم الوضعي أن المتلفظ بالطلاق يؤاخذ بلفظه، بغض النظر عن كونه قصد إيقاع الطلاق أو كان هازلاً. وبهذا أجاب الإمام الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات في كتابه النفيس: المقاصد، فإنه لما تعرّض للمقاصد والنيات ولقاعدة: (الأمور بمقاصدها) ذكر أن مؤاخذة الهازل بطلاقه من باب الحكم الوضعي لا من باب الحكم التكليفي. فمسألة تضمين المجنون والصبي مبنية على الحكم الوضعي، وهذا فيه رحمة عظيمة بالناس، فإن الناس متى علموا أن الأموال تضمن وتحفظ؛ حافظ بعضهم على أموال بعض، وأصبحت للأموال حرمة. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل حرمة المال مقرونة بالدم فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فجعل حرمة المال مقرونة بحرمة الدم. فإذا أتلف الصبي أو المجنون مال الغير ضمنه؛ فإن كان الغير الذي تعامل معه هو الذي مكنه من المال وأعطاه وجعله عنده وهو يعلم أنه صبي وأنه محجور عليه؛ فإنه حينئذٍ يتحمل الضرر المترتب على تمكينه. والعكس بالعكس، فإن كان الذي تعامل معهم لا يعلم بكونهم محجوراً عليهم، فيضمن له حقه ولا يؤاخذ المحجور عليه. فعندنا قاعدة وهي: أن أموال الناس تضمن، ولذلك جُعلت قاعدة الضمان في المتلفات صيانة لحقوق أموال المسلمين. فإذا كان الأصل أن أموال المسلمين محرمة لا يجوز الاعتداء عليها، فمتى ما اعتدى الصبي أو المجنون أو غيرهم على مال الغير؛ وجب ضمانه. فإن كان هذا هو الأصل نقول: إن كان الصبي قد أخذ المال من شخص مكنه منه فالذي مكنه يتحمل المسئولية، وأما إذا كان لا يعلم أنه دون البلوغ، ولا يعلم أنه محجور عليه، وظنه بالغاً رشيداً عاقلاً، فإذا به مجنون وسفيه وصبي فهذا له عذره، وحينئذٍ يبقى الأصل الموجب للضمان.

الأسئلة ...... المقصود بالرشد في قوله تعالى: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) السؤال: في قوله تعالى: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] من أي الرشد هذا؟ الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: الرشد معناه: الصلاح في الدنيا والصلاح في الدين، وصلاح الدنيا يشمل النظر في الأمور في أصلحها وأحسنها، ولوط عليه السلام استعطف قومه وردهم إلى ما فيه خيرهم ودعاهم إلى صلاح دينهم ودنياهم فأبوا عليه فقال: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] استفهام إنكاري، أي: أليس فيكم من عنده رشد يمنعه ويردعه فيردع غيره وينصح غيره؟ لأن النصيحة إذا وجدت من يصغي لها فإنه سينصح غيره، ومن المعلوم عادة أن الشخص إذا نصح قد لا تقبل منه النصيحة؛ لكن حينما يكون فيمن يُنصح رجل رشيد يتقبل النصيحة، فإنه قد يدفع غيره إلى القبول فيتأثر. فالوعظ لا يكفي فقط، بل لا بد مع الوعظ من أن يتقبل الغير ويتأثر فهو يقول: (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78]. فهذا الاستفهام إنكاري والمراد به رشد الدين، أي: اقبلوا دعوتي، واقبلوا ما أذكركم وأعظكم به، أو يكون المراد به: رشد الدنيا، بمعنى: النظر في أصلح الأمور وترك ما تكون عواقبه وخيمة، ومن ذلك الإعراض عن الدين والإعراض عن الله. والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير