تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نفك الحجر عن الصبي؟ ومتى نفك الحجر عن المجنون؟ ومتى نفك الحجر عن السفيه؟ هذه هي الجمل الآن. بينّا أن الصبي لا بد أن يبلغ، وذكرنا علامات البلوغ ويكون عند بلوغه عاقلاً راشداً. ومعلوم أن الرشد يستعمل في الدلالة على معانٍ، فتارة يقصد منه رشد الدين وتارة يقصد منه رشد الدنيا. فيقال: فلان رشيد، إذا كان على صلاح وخير، ومنه قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ [البقرة:256] فالرشد وسبيل الرشد سبيل الحق والصواب والهدى، فهذا استعمال الرشد بمعنى الخير والسداد. ويستعمل الرشد بمعنى: حسن النظر في أمور الدنيا، وقد أشار الله إليه بقوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فالرشد المراد به هنا أن يكون رشيداً يحسن التصرف في ماله. وبناءً على ذلك: إذا بلغ الصبي فيجب على الولي أن يختبره لكي يكتشف العلامة الثانية وهي الرشد. والرشد في الصبيان يختلف على حسب اختلاف المحجور عليهم من الصبيان، فهناك رشد يتعلق بالنساء، وهناك رشد يتعلق بالرجال، فولي اليتيم يعطي اليتيم مالاً معيناً عند البلوغ أو مقاربة البلوغ يختبره به في تصرفه. فمثلاً: إذا كان هناك عيد أو كانت هناك مناسبة واحتاج الصبي أن يشتري ثوباً أو حذاءً أو نحو ذلك فإنه يعطيه مالاً، ويقول له: اذهب واشتر لنفسك؛ ولا يحدد له ما الذي يشتري، ويعطيه مالاً معيناً يكون بمثابة الاختبار. مثلاً: يمكن أن يشتري الحذاء بعشرة، فيعطيه خمسة عشر ريالاً حتى ينظر كيف يتصرف؛ لأنه لو لم يعطه إلا عشرة فسيشتري الذي قيمته عشرة، فيعطيه بطريقة ليس فيها ضرر من كل وجه على ماله؛ لأن هذا محتاج إليه. فيعطيه مثلاً -اثني عشر ريالاً- أو ثلاثة عشر ريالاً بحيث يكون هناك سلعة بهذه القيمة وأقل، فينظر كيف يشتري؟ وقال بعض العلماء: بل يعطيه نفس القيمة، والسبب في هذا: أنه إذا أعطي نفس القيمة فسينظر هل يستطيع أن يكاسر البائع ويرغم البائع ويدفع إغراء البائع به، فإذا اشتراها بعشرة علمنا بأنه رشيد، وإن ألح عليه البائع لكي يختله ويضر به، فجاء يشتكي ويقول: ما وجدت أحداً يبيعني بعشرة، أو لا أشتري بأكثر من عشرة، علم رشده، وإن جاء يقول: لا، سأشتريها بخمسة عشر، علم سفهه. والصحيح والأقوى: الأول، أنه يعطيه ويستفضل قليلاً؛ لكي ينظر كيف يحافظ على ماله، هذا بالنسبة للرجل، فيُختبر في شراء الأشياء التي تتعلق بالرجال كالملابس ونحو ذلك، أما المرأة فقد كانوا في القديم يختبرون النساء بما يصلح شأنهن، أو بما يكون خاصاً بهن من أمور الغزل وشراء الملبوسات ونحو ذلك، فإذا جاءت مناسبة أعطاها مالاً، ثم وكل إليها أن تشتري بهذا المال، فإذا ذهبت تشتري ثيابها واشترت بسفه؛ استمر الحجر عليها، وإن اشترت برشد؛ رفع يده عنها. ويكرر هذا مرتين أو ثلاثاً، وأقل شيء يضمن به أنه مصيب: ثلاث مرات، فقد يعطي مرة ويشاء الله أن تلك المرة يظهر له فيها أنها راشدة وربما تكون رمية من غير رامٍ، فيكرر مرتين وثلاثاً حتى يتأكد. وقال بعض العلماء: أحب أن ينوِّع، فتارة يعطيه ليشتري حذاءً، وتارة يعطيه ليشتري طعاماً، وتارة يعطيه ليشتري كتاباً أو قلماً، أو نحو ذلك، فيختبره بأنواع متعددة حتى يستمرئ التعامل مع الناس ويُكشف على حقيقته. وهذا لا شك أنه أبلغ في الاحتياط، وظاهر القرآن يدل عليه؛ لأن الله يقول: وَابْتَلُوا [النساء:6] والابتلاء: الاختبار كما قال تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7] أي: يختبركم. وعلى هذا: لا بد وأن يختبر ويكرر عليه الاختبار حتى يثبت رشده في الشراء والبيع. أيضاً مما يشمله الاختبار: أن تختبر الصبية والصبي بالبيع، فكما يختبر بالشراء يختبر بالبيع، فيعطى الصبي شيئاً يبيعه إذا كان أهلاً للبيع، فيقال له: خذ هذه السلعة وبعها في السوق، ويترك له الأمر ولا يحدد له قيمة، وإنما يقال له: بعها بالسوق، فيذهب، فإن أحسن بيعها وأحسن التصرف فيها فالحمد لله، ويكرر له مرتين أو ثلاثاً حتى يثبت أنه محسن للبذل؛ لأن الذي يأخذ المال لا يحكم بكونه رشيداً فيه إلا من جانبين: الجانب الأول: جانب الأخذ. والجانب الثاني: جانب الإعطاء. فقد يكون رشيداً في الأخذ سفيهاً في الإعطاء، وقد يكون سفيهاً في الإعطاء رشيداً في الأخذ، فبعض الناس إذا اشترى لا يمكن أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير