تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمسألة لا تختص بالبيع والشراء، بل حتى في الإجارة حينما يوكلك شخص على إجارة معينة فتقوم أنت بنفسك وتستأجر المحل، ولو قال لك: هذه شقتي أجرها بعشرة آلاف في السنة، فنظرت فإذا هي طيبة وتستحق أن تسكنها، فأخذتها لنفسك أو استأجرتها لولدك أو لزوجك أو لأحد قرابتك، لكنك أنت الذي توليت العقد، ففي هذه الصور كلها يأتي الوجهان للعلماء: من أهل العلم من يقول: الوكالة المطلقة تستلزم حصول الغرض، بغض النظر عن الشخص الذي يريد أن يبيع أو يشتري معه سواءً كان الوكيل أو غيره. الوجه الثاني يقول: إن الوكالة المطلقة مقيدة بالغير، فلا يصح للوكيل أن يدخل بين الموكل وبين الأجنبي. والذين يقولون: الوكالة المطلقة مقيدة، فلو قال لك شخص: بع السيارة، فلا يجوز أن تشتريها لنفسك، استدلوا بدليلين: الدليل الأول: قالوا: إن الإطلاق في اللفظ مقيدٌ بالعرف كما ذكرنا؛ لأنه قال لك: بع سيارتي بعشرة آلاف يقولون: ولو كان المراد أن تشتريها أنت لقال لك: يا فلان! اشتر سيارتي بعشرة آلاف، فكونه يخاطبك على وجه الإطلاق، فهذا الإطلاق المراد به الأجنبي عنك ولست داخلاً فيه. الوجه الثاني: أن التهمة تحصل للوكيل، فإن الوكيل ربما حابى لنفسه، فالنفوس مجبولة على جلب الخير لها ودفع الضرر عنها، وعقود البيع والشراء فيها غبن وغرر، والغالب أن الإنسان لا يدخل الضرر على نفسه لأجل موكله، بعبارةٍ أخرى: لو كانت السيارة قيمتها عشرة آلاف فستشترها بتسعة آلاف ونصف أو تشتريها بتسعة آلاف إلا ربع، أو يشتريها بتسعة، فقالوا: لو فتحنا للوكلاء أن يبيعوا ويشتروا لأنفسهم لأضر ذلك بأموال الناس، والشريعة جاءت بدفع الضرر، وليس كل وكيلٍ يكون أميناً في مثل هذا، هذا حاصل ما استدل به من منع. ومن أجاز وقال: يجوز لك أن تبيع وتشتري لنفسك، ويجوز لك أن تؤجر لنفسك، وأن تتولى الطرف الثاني للعقد، قالوا: إنه أطلق الوكالة، والقاعدة تقول: (المطلق يبقى على إطلاقه)، وهذا الإطلاق يشمل الوكيل؛ لأنه قال له: بع سيارتي ولم يقل: من غيرك، إنما قال له: بع سيارتي، فكما أن غيره يدخل في هذا الإطلاق، كذلك هو داخلٌ فيه. الوجه الثاني: أن المقصود من الوكالة هو بيع العمارة أو بيع السيارة أو حصول المنفعة، وليس هناك في الشريعة نظر للشخص الذي سيقوم بتلك المنفعة، فعندما قال لك: بع العمارة، لو كان له غرض في الشخص الذي يشتريها لكان قال: بع العمارة إلى فلان، بع العمارة إلى الضعفاء، أجر العمارة بخمسمائة للفقراء مثلاً، فلما كان مالك السلعة لا غرض له في الطرف الثاني وليس له مقصود في الطرف الثاني، وقال لك: بع العمارة، أو صوّر الكتاب، فالمقصود أن يحصل التصوير وأن يحصل البيع وأن يحصل الشراء بغض النظر عن الطرف الثاني، وهذا الوجه الثاني هو الصحيح: أنه يجوز للوكيل أن يتولى الشراء بنفسه والبيع لنفسه ولا حرج عليه، فإذا أعطاك رجلٌ مالاً على أن تشتري عمارةً أو سيارةً أو أرضاً فلا حرج أن تكون الطرف الثاني الذي يبيع، ولا حرج عليك إذا أعطاك أرضاً لكي تبيعها أو شقةً من أجل أن تؤجرها أن تكون الطرف الثاني المشتري أو المستأجر، والدليل على ذلك: أولاً: إطلاق اللفظ، والألفاظ معتبرة في العقود. ثانياً: قولهم: إن التهمة تلحقه؛ لأنه ربما حابى نفسه، نقول: نحن نشترط أن لا يكون الوكيل قد حابى نفسه، فنحن نصحح البيع ولكن نقول: بشرط أن لا يحابي نفسه، وأما قولهم: إن التهمة موجودة، فهذا لا يستلزم البطلان؛ لأنه ربما باع الوكيل إلى أحد قرابته، فلو أن الوكيل باع لأحد أقربائه فإن التهمة موجودة، لكن كونه يبيع بثمنٍ المثل هذا لا تهمة فيه، وبناءً على ذلك نقول: إذا اشتريت العمارة بثمنها، والسيارة بحقها، والأرض بقيمتها، فبيعك صحيح، وشراؤك صحيح، وعلى هذا يكون فيك طرفان من العقد: بائع من وجه ومشتر من وجه، بائع وكيلاً، ومشترٍ أصيلاً، بائع عن غيرك ومشترٍ لنفسك، أو بائع لنفسك ومشترٍ لغيرك، إذا عُرِفت هذه المسألة فهناك مسألة ثانية: إذا قلنا: يجوز للشخص أن يكون وكيلاً في البيع والشراء، فهل يشمل ذلك الحقوق المالية؟ فمثلاً: الحقوق المتعلقة بالعبادات، لو أن رجلا أعطاك مائة ألف، أو أعطى رجلاً مائة ألف وقال: أعطها للفقراء، أو للمستحقين زكاةً، وكان الشخص الذي هو وكيل فقيراً أو مديوناً أو مجاهداً فله سهم الفقر، أو سهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير