إنّ كثيرا من الخلافات سببُها تكلُّمُ مَن لا يعرف في المسألة، فيخالف ويُنشِئُ رأيا آخر، وهو خطأ وخلاف الحق، ثم يأتي مَن بعدهما فيقولون: في المسألة رأيان، والمسألة فيها خلاف!! ولهذا قال الأصولي حجة الإسلام الغزالي: (لو سكت مَن لا يعرف، لارتفع الخلاف).
وكما أنه لا يجوز أن يفتي في الفقه إلا الفقهاء، فكذلك لا يجوز أن يفتي في اللغة إلا اللغويون.
وأنا يا أخي لا أكتب هذا بقصد إهانتك، ولكن بقصد نصيحتك، فكم من أخطاء علمية أقرأها ولا أعلق عليها، فالآن أصبح كل إنسان يفتي في الفقه، لكن الجديد الذي لم يمر علي من قبل أنه أصبح كل إنسان يفتي في اللغة، هو شيء جديد تماما عليّ، ولولا أننا نتكلم عن (نظرية) سينتج عنها خط، تستخدمه دور النشر في طباعة كتب الإسلام، من تفسير وحديث وفقه، لما تكلمت، ولما نقدتك أنت ولا غيرك.
لكن تعجبي حقا من أخي الحبيب أبي رقية، كيف نقل كلامك ثم علّق عليه بقوله: (صدقتَ أخي الكريم)؟ أتراه يوافقك على الخطأ! لا أعتقد، فهذا ليس من سجاياه الكريمة التي عرفناها ... كنت أنتظر منه أن يقول لك: (أخطأتَ أخي الكريم) بدلا من (صدقتَ أخي الكريم).
ويا أخي الحبيب أبا رقية:
سؤالك:
(كيف توضع تلك الألِف! مع تنوين ياء كلمة (هُدًى)؟ على مذهب من يضع التنوين على الياء؟!).
لا يا أخي الحبيب، بل مع مذهب من يضع التنوين على الدال.
إن الألف المنقلبة ياءً خالية، لا تنوين عليها، وسواء وضعتَ عليها ألفا صغيرة أم لم تضع، فهذا لا يعني أنك وضعت عليها حركة الإعراب ... التنوين، فهو موضوع على الدال، فلا خطأ في كلامي.
ولنعد إلى قضية (الخط القرآني) و (الخط الإملائي)، إن الخطاطين كاتبي القرآن قد وضعوا الألف اللينة في (هُدًى) ولم يضعوها في (الْهُدَى)، للتمييز بين الاسم المنون والاسم غير المنون، فجعلوها علامة فارقةً بين الأمرين: فالاسم المنون يُكتَبُ بدون ألف لينة، والاسم الغير المنون يُكتَبُ بألف لينة.
وأنا أقول لك أن تضعها للتمييز والتفرقة بين (الألف المنقلبة) إلى ياء، وبين (الياء)، وليس للتمييز بين الاسم المنون والاسم غير المنون، فهذه القضية في (الخط القرآني) ليست مطروحة في (الخط الإملائي) ... هذه مسألة أخرى.
إن (الخط الإملائي) مخالف (للخط القرآني) في أمور كثيرة، وللعلماء أن يضيفوا ويغيروا ويعدلوا في (الخط الإملائي) بما يحقق المطلوب: (الوضوح) و (البيان)، و (الدقة) لعدم اللَّبس، من غير مخالفة الصحة الإملائية.
ولهذا خالف (الخط الإملائي) (الخط القرآني) في أمور كثيرة لا علاقة لها بالخط العثماني الذي يكتب (الصلاة) هكذا (الصَّلو?ةَ??)، ويكتب (الحياة) هكذا: (الْحَيَو?ة)، و (الزكاة) هكذا: (الزَّكَو?ةَ) ... إلخ.
أقول: خالف (الخط الإملائي) (الخط القرآني) في أمور كثيرة، مثل كتابة كلمة: (مائة)، فهي في القرآن: (مئة)، و (مائتين) فهي في القرآن (مئتين) بدون ألف [الأنفال 65].
وأضاف (الخط الإملائي) الألف المحذوفة من آلاف الكلمات القرآنية، التي يشار إليها بالألف اللينة، فقد استبدل بها الخط الإملائي ألفا كاملة:
فأضاف الألف إلى (إِسْمَـ?عِيلَ)، فصار: إسماعيل.
وأضاف الألف إلى (سُلَيْمَـ?نَ)، فصار: (سليمان).
وإلى (الْكِتَـ?ب)، فصار: (الكتاب).
وهكذا في آلاف الكلمات، وقداسة القرآن لم تمنع الخطاطين واللغويين من أن يغيروا في الخط الإملائي بما يفيد (الوضوح) و (البيان)، و (الدقة) لعدم اللَّبس، حتى لو خالفوا (الخط القرآني)، فخط الإملاء ليس منزلا من السماء، لكنه اجتهاد بشر، بما يساعد على الكتابة بوضوح وبيان، من غير مخالفة الصحة اللغوية.
ولهذا لم يستنكف المغاربة أن يخالفوا (الخط القرآني) و (الخط المشرقي) معا في كلمات كثيرة، مثل كلمة (لكن)، فهم يكتبونها هكذا: (لاكن)، لكنّ أسخف مخالفة جاءت في كتابتهم لكلمة (الرحمن)، فيكتبونها هكذا: (الرحمان)، وقد أدخلها محدّث مصري في كتبه، فأخذ يكتبها في (البسملة) في أول كل كتاب من كتبه المحققة المدققة المشكولة التي اشتقنا إليها وإليه، ثم أخذ المقلدون يقلدونه في كتابتها بالصورة المغربية، ولم أنتقده رغم عدم محبتي لها، بسبب محبتي له.
¥