أريد أن أقول لك: إن (الخط الإملائي) ليس منزلا من السماء، وقد خالفه اللغويون في مواضع كثيرة، هي في (الخط الإملائي) أكثر وضوحا منها في (الخط القرآني).
ولعل أكثر ما خالف فيه (الخط الإملائي) (الخط القرآني): كتابة الهمزة، فكما قلت لك يا أخي الحبيب في مشاركة سابقة: إن اللغة العربية لم تكن تكتب همزة القطع، كان يكفي وضْعُ فتحة أو ضمة فوق الألف للدلالة على وجود همزة فوق الألف! وكان يكفي وضع كسرة تحت الألف للدلالة على وجود همزة تحتها، مثل كلمة (سباِ)، و (نباِ)، فهذا معناه وجود همزة قطع مكسورة في هذا الموضع، أما (كتابة) همزة القطع نفسها فلم تعرفها اللغة العربية منذ نشأتها وحتى عصر المطبعة.
فكتابة همزة القطع بدعة!! أول من أدخلها إلى لغتنا (الفرنجة) ... (العلوج) على رأي الصّحّاف ... حين أتى نابليون إلى مصر واحتلها، وأتى معه بالعلماء الفرنسيين، وأتى معه بذلك الاختراع الجديد العجيب: المطبعة.
فعند تصميم خط الكتابة، تم (اختراع) حرف الألف المهموزة لأول مرة! رغم أنها لم تكن موجودة في اللغة العربية، لا في المصحف ولا خارجه، وذلك لأن الغرض من الخط: الوضوح والبيان، فأراد الفرنجة أن يفرّقوا بين همزة الوصل وهمزة القطع، فلم يكتفوا بوضع الفتحة على الألف للدلالة على أن ثَمّةَ همزة قطع مفتوحة، ولم يكتفوا بوضع كسرة أو تنوين تحت الألف للدلالة على أن ثَمّةَ همزة قطع مكسورة، كما كان موجودا في القرآن والخط اليدوي على السواء، بل أضافوا بدعتهم الحسنة الرائعة إلى الخط العربي؛ وهي همزة القطع.
فبدلا من الدلالة على همزة القطع بوضع فتحة أو ضمة أو كسرة فوق أو تحت الألف، أضافوا علامة أخرى فارقة للدلالة على همزة القطع، يفهمها مَن يفهم ومَن لا يفهم، العالم والعامي؛ وهي الهمزة.
يعني بدلا من الدلالة على همزة القطع بعلامة واحدة (الحركة)، جعلوا الدلالة عليها بعلامتين: الهمزة والحركة.
وقد رضي اللغويون عن هذه البدعة الحسنة، فأضافوها إلى القرآن، فكل همزات القطع الموجودة في آلاف الكلمات القرآنية، لم تكن مكتوبة بهذه الصورة، صورة وجود همزة القطع، (مثل همزة أحمد و إبراهيم ونحو ذلك) قبل أن يأتي الغزاة بها، فأضافها العلماء المسلمون إلى المصحف رغم أنها لم تكن موجودة فيه، لأنها بدعة حسنة، تزيد الكلام وضوحا وبيانا، وتبعد بالقارئ عن الخطأ، لأن الدلالة على همزة القطع بعلامتين أفضل وأوضح من الدلالة عليها بعلامة واحدة، كما يقول العقل السليم.
وهذا عين ما قصدته من كلامي حين طلبت منك أن تضيف إلى خطك الذهبي الألف اللينة فوق الألف المنقلبة ياءً، فبدلا من الدلالة على الألف المنقلبة في (إلى) بعدم وجود نقطتي الياء تحتها، تكون الدلالة عليها بعلامتين بدلا من علامة واحدة: (عدم وجود نقطتي الياء تحتها، ووجود الألف اللينة فوقها)، فهذا أكثر وضوحا، وأنصع بيانا، ويفهمه العالم والعامي، وتلتقطه العين بمجرد النظر.
على العكس مما تريده أنت يا أخي الحبيب، من التمييز بينهما بنقطتي الياء تحت الياء، وعدم وجودهما تحت الألف المنقلبة، فهذا لا يفهمه إلا الخبير، وبخاصة أن هناك الملايين يكتبون (في الكتابة اليدوية) الياء بغير وضع نقطتين، وتعودوا على منظرها بدون نقطتين، فعدم وجود النقطتين ليست علامة فارقة تلتقطها عين كل أحد، لكن (الألف اللينة) علامة فارقة تلتقطها كل عين، ويفهمها كل إنسان.
وكلما قلت لك يا أخي الحبيب: كلما كان الخط أكثر وضوحا وبيانا، كلما كان أذكى وأفضل، وكما أن تمييز همزة القطع بعلامتين (الحركة وبدعة همزة القطع)، أفضل من تمييزها بعلامة واحدة، فكذلك تمييز الألف المنقلبة بعلامتين (الألف اللينة وعدم وجود نقطتين تحتها) أفضل من تمييزها بعلامة واحدة.
إن إضافة الألف اللينة مثل بدعة همزة القطع التي (ابتدعها) الفرنجة لزيادة الوضوح والبيان والتمييز لهمزة القطع، والفرق بين إضافة الألف اللينة وبين بدعة الفرنجة، أن إضافة الألف اللينة ليست بدعة، لأنها موجودة في (الخط القرآني)، وفي (الخط اليدوي) في آلاف الكتب المخطوطة، فهي ليست بدعة على الخط الإملائي، مثل همزة القطع.
هل أوصلتُ لك فكرتي بوضوح، أم مازالت غامضةً ملتبسة؟
¥