وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبدالله بن محمد البلوي فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة وساقها الفخر الرازي في «مناقب الشافعي» بغير إسناد معتمدًا عليها وهي مكذوبة وغالب [ما] فيها موضوع وبعضها ملفق من روايات مفرقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على قتل الشافعي وهذا باطل من وجهين أحدهما أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان قد مات ولم يجتمع به الشافعي.
والثاني: أنهما كانا أتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم لا سيما وقد اشتهر بالعلم وليس له إليهما ذنب إلا الحسد له على ما آتاه الله من العلم، وهذا مما لا يظن بهما وإن منصبهما وجلالتهما وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك، والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين وأنه لقي محمد بن الحسن في تلك [القدمة] ([143]) وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز وأخذ عنه ولازمه، وقد روينا في كتاب «الألقاب» لأبي بكر الشيرازي بسنده إلى محمد بن أبي بكر المقدمي قال: قال الشافعي: لم يزل محمد بن الحسن عندي عظيمًا جليلاً، وأنفقت على كتبه ستين دينارًا حتى جمعني وإياه مجلس عند هارون أميرالمؤمنين فابتدأ محمد بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين إن أهل المدينة خالفوا كتاب الله نصًا وأحكام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأحكام المسلمين وقضوا بشاهد ويمين.
قال الشافعي: فأخذني ما قرب وما بعد فقمت: إني أراك قد قصدت لبيت النبوة ومن نزل القرآن فيهم وأحكم الله أمره بهم وقبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بين أظهرهم عمدت تهجوهم! أريتك أنت بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها حتى ورثت خليفة ملكًا كبيرًا وما لاً عظيمًا؟
قال: بعلي بن أبي طالب.
قلت: إنما روى هذا عن علي رجل مجهول يقال له عبدالله بن نجي ورواه عن عبدالله بن نجي: جابر الجعفي وكان يؤمن بالرجعة ... » وذكر القصة ([144]).
فهذا الذي كان بينه وبين محمد بن الحسن ومع ذلك فكان محمد بن الحسن يبالغ في إكرامه والتأدب معه والاغتباط به» ([145]).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «والذي نقل عن محمد بن الحسن في حق الشافعي ليس بثابت» ([146]).
وقال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي (ت1205هـ) عقب حكاية للحارث بن أسد عن الشافعي في «رحلة الشافعي» للبلوي: «وفي هذه الحكاية نظر من وجوه:
أما أولاً: اجتماع الحارث بالشافعي، وقد تقدم أنه لم يثبت.
وثانيًا: كون الحارث تلميذًا للمري وسنة وفاة المري كان الحارث لم يولد، أو كان رضيعًا.
وثالثًا: قوله: فسألت من هذا بعد قوله أولاً: «ما رأيت أورع ولا أفصح الخ»، وعند التأمل يظهر فيها غير ما ذكرت والآفة فيها من البلوي فإنه اختلقها، وفي الصحيح من الأقوال الدالة على زهد الشافعي وخشيته مما نقله غير واحد من أصحابه مقنع عن هذا الذي اختلقه البلوي» ([147]).
2) رحلة الشافعي، للحافظ ابن المنذر محمد بن إبراهيم النيسابوري (ت319هـ) ([148]).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ): «يحيى بن الحسن بن موسى المقرىء المصري: لا أعرفه، وحدث عنه رحلة الشافعي، حدث فيها عن علي بن محمد البصري عن أبي بكر بن المنذر، عن الربيع، عن الشافعي بأشياء منكرة، أنه لما اجتمع بمالك، كان عمره أربع عشرة، وأنه حضر مجلس مالك، فسمعه يملي الحديث، وكان كلما أملأ حديثاً كتبه بريقه، فسأله مالك لما انقضى المجلس عن ذلك فقال: كنت أكتبه لأحفظه، وسرد عليه مما أملاه خمساً وعشرين حديثاً، وفيه أن مالكًا زوده إلى الكوفة ([149]) بصاع تمر بعد ثمانية أشهر أقامها عنده، فوجد بالكوفة محمد بن الحسن، فاستعار منه كتاب أبي حنيفة، فحفظه في ليلة واحدة، ثم توجه إلى بغداد أول ما ولي الرشيد الخلافة، فعرض عليه القضاء فامتنع، فولاه صدقات نجران ([150])، وأنه لما خرج عنها، نزل حران ([151])، فضيفه شخص من أهلها، ووهب له أربعين ألفاً، وأنه لما خرج منها، شيعه الأوزاعي، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل. وذكر أشياء من هذا الجنس، يعرف كل أهل الفن أنها أحاديث مختلقة، ورأيت في الجزء أنه قرأ بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، على أبي الفتح نصر بن الحسن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله بن خيران،
¥