ـ[عامر مشيش]ــــــــ[25 - 05 - 2009, 02:00 م]ـ
أهلا ومرحبا أستاذي
ولك الشكر على هذه القصيدة البرية الربيعية وانظر لما جمعته من البرية:
فيّاضاً بواديه
مَوَاتاً
كالطيرِ يشدو في مغانيهِ
الغمام تهادى في سواقيهِ
رَوْضِ الحَزْنِ
وَبْلُ السحابِ هَتُوْناً
الرُبى
لريحِ
وَرْقاءُ ساجعةٌ
فننٍ
المُزْنِ تَهْمِي فوقَ ماحلةٍ
هَبَّتْ نسائمُهُ
طَلَلٍ تُعْمِيْ سَوَافيهِ
وهذا غيرألفاظ البحر فأين نظمتها يا دكتور؟:)
وفي البيت:
نديّةٌ مثلُ رَوْضِ الحَزْنِ بَاكَرَهُ .... وَبْلُ السحابِ هَتُوْناً ليسَ يُؤذيهِ
حشو لطيف وهو قولك "ليس يؤذيه" وقد زاد البيت جمالا على جماله وهذا مثل قول طرفة:
سقى ديارك غير مفسدها .... صوب الربيع وديمة تهمي
بارك الله فيك.
ـ[جلمود]ــــــــ[26 - 05 - 2009, 07:55 ص]ـ
نديّةٌ مثلُ رَوْضِ الحَزْنِ بَاكَرَهُ ... وَبْلُ السحابِ هَتُوْناً ليسَ يُؤذيهِ
بيت بديع يضرب في تراثنا بجذع أصيل، أتأر فيه شاعرنا النظر إلى ثلة من الأبيات التراثية التي سنحاول أن نذكر طرفا منها.
وقبل هذا ينبغي علينا أن نترجل عند بعض مفردات تلك الصورة التي مثل بها لندى محبوبته، فلقد شحن شاعرنا بيته ببعض الكلمات الغنية التي أثرت بيته ثراء فنيا وجماليا.
روض الحزن، أولى الكلمات التي تطالعنا للوهلة الأولى، فما هي تلك الروضة، وهل هو وصف لأية روضة، أو هو اسم لروضة مخصوصة عند العرب.
لاشك أن كونها وصفا مستبعد، فالحزن من الأرض ما غلظ واشتد، فلم يبق لنا إلا كونها اسما مخصوصا على مكان معين.
قال الأزهري:" قلت: وفي بلاد العرب حَزْنان: أحدهما: حَزْنُ بني يَرْبوع، وهو مَرْبع من مرابع العرب فيه رياضٌ وقيعان، وكانت العرب تقول: من تَرَبَّع الحَزْن وتشتى الصَّمَّان وتقَّيظ الشَّرف فقد أخْصب، والحَزْنُ الآخر: مابين زُبالة فما فوق ذلك مصعداً في بلاد نجد، وفيه غِلَظٌ وارتفاع.
فحزننا إذن هو حزن بني يربوع، وما أدراك ما حزن بني يربوع! ظل ظليل، وماء وفير، ومرعى ولا كالسعدان، وفي رياضه أنشد العرب القصائد والأبيات.
ثم نأتي إلى الفعل (باكره)، فما معنى غيث باكر وسحاب باكر؟
يقول ابن سيده:" والمُبْكِر والباكور جميعا من المطر: ما جاء في أوّل الوسْمِىّ " ويقول الزمخشري: وغيث باكر وبكور: وقع في أول الوسمي ... "
فإذا كان الباكر من الغيث أول الوسمي ــ فما هو هذا الوسمي؟ يقول الجوهري:" والوَسْمِيُّ: مطر الربيع الأوَّل، لأنَّه يسِمُ لأرض بالنبات، نُسِبَ إلى الوَسْم "، وقال الجوهري: " وأما رَبيعُ الأزمنة فرَبيعانِ: الرَبيعُ الأوَّل، وهو الفصل الذي تأتي فيه الكمأةُ والنَورُ، وهو رَبِيعُ الكلأ، والرَبيعُ الثاني وهو الفصل الذي تُدْرِكُ فيه الثمارُ. وفي الناس مَنْ يُسمِّيه الرَبيعَ الأوَّل "
فباكر السحاب هو أول مطر في فصل الربيع، ولهذا المطر صفات وشيات، فهو مطر شديد منهمر، قال الخليل: " والسَّحابةُ تُفرِطُ الماءَ في أوّل الوسمّي، إذا عجّلتْ فيه "، ومن قوته قالوا للقليل منه: ضروس الوسمي، قال الزمخشري: " ومن المجاز: وقعت في الأرض ضروس من مطر، وأصابهم ضرس من الوسمي وضروس: للقليل المتفرق. "
بقيت كلمتان في البيت يحتاجان إلى توضيح، أولاهما: الوبل، يقول ابن منظور: " والوابِلُ: المطر الشديد الضَّخْم القطْرِ؛ قال جرير: يَضْرِبْنَ بالأَكْبادِ وَبْلاً وابِلا "
ثانيهما: هتون، والمطر الهتون هو المطر الضعيف المتقطع؛ قال الجوهري:" وقال النضر بن شُميلٍ: التَهْتان: مطر ساعةٍ ثم يفتُرْ ثم يعود. " وقال ابن منظور: " وقيل: الهَتَنان المطر الضعيف الدائم"
صورة بديعة حقا تلك التي جمع فيها الشاعر بين الغيث الباكر وروض الحزن، فلقد جمع الحسنيين: أفضل مكان عند العرب، وأفضل مطر عند العرب.
لقد وصف شاعرنا محبوبته بأنها ندية، ولكنه حذف متعلق هذه الصفة، فلم يقل ندية الصوت أو ندية الخصر أو ندية الأيدي، وليت شعري! إنه لحذف بليغ؛ حتى تذهب فيه النفس كل مذهب، فحبيبته ــ من أخمص قدمها حتى غرة جبينها ـ ندية كلها، ليس فيها شيء إلا ندي.
ولكننا نتساءل: هل تلك الصورة التي مثل بها شاعرنا متناسبة مع ندى محبوبته! هل أول الوسمي بقوته وشدته وعنفوانه يناسب وصف محبوبته بأنها نديّة! بل هل يناسب ندى محبوبته وبل السحاب في الوسمي! ها هو النابغة يصف محبوبته ونعومتها برياض الحزن إلا أنه لم يقل باكره وبل السحاب، وإنما قال الطلال وهو أضعف المطر:
في رَوضَةٍ مِن رِياضِ الحَزنِ ناعِمَةٍ ... تَجري الطِلالُ عَلَيها بَعدَ شُؤبوبِ
كذلك نلحظ أن وصف ذلك السحاب الذي نعته بأنه وابل وباكر ــ بهتون لا يصح عندنا، كيف وهما متضادان لا يجتمعان في الكون فضلا عن أن يجتمعا في بيت شعري!
وربما يكون شاعرنا قد استقى بيته من قول جميل بثينة العذري حيث قال:
فَما رَوضَةٌ بِالحَزنِ صادٍ قَرارُها ... نَحاهُ مِنَ الوَسمِيِّ أَو دِيَمٌ هُطلُ
¥