تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رَسَائِل دِمَشْقِيّة حَزينَة

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[27 - 05 - 2009, 08:33 م]ـ

رَسَائِل دِمَشْقِيّة حَزينَة

قصة قصيرة

سافرَ تَيم عند مغيب الشّمس ... تاركاً وراءَه ُ نجوماً وكروماً وصبيّة ... قد ودعهم جميعاً في ساعة واحدة بل في لحظة واحدة ... وفي لحظة واحدة ودّعَ أرضه الدّمِشقية ... هو شعورٌ قاتلٌ أن تفقدَ كل من يحبكـ في لَمحِ البصرِ ... أن تترك وراءَكـ طفولتكـ التي كبرت معك وصارت حبيبتكـ ... أن تتركـ حقول الياسمين وتعتاد على أزهارٍ لا رائحة لها يسمّونها في الغرب أعجب الأسماء ومع ذلك يرون فيها الجمال الذي لا مثيل له ... وماذا عن مزهريات الفل التي تعودت على مداعبتها صباح مساء ماذا لو شاهدوه على جدران المنزل عندنا يلمع كالبدر في ليلته الصيفية وماذا سيحدث لو تنفسوا من هواء دمشق؟ ... تُرى هل سيفعلون مثلي ويفضّلون أوطانهم هذه التي تشبه أوكارَ العصافير الشتوية ... أم سيفضّلون الشام ... تُرى هل سيفضلون للصغار منهم المدرسة الظاهرية وكتّاب الظاهر ... أم مدارسهم المبنية على الطراز الزجاجي الذي لا روح فيه ولا عمق جغفرافي له ... شعورٌ قاتلٌ أن تجد نفسك بين يوم وليلة بعيداً بعيدا ... وتسأل نفسك مرارا؟ ... هل الكل الآن يفكر فيك؟ ... هل هُم في حالة حزن عميق لأجلك؟ ... أم قد نسوك كما ينسى الزّمان أنه يوماً كان حليفنا!!! ... يُجيبك عن هذا أحيانا ... بعض الخطابات القادمة مع النجوم التي تحمل الكروم ... فتُبسط الأرض لك بأمر الله حتى وإن كان هذا يحدث في خيالك فقط ... لتعلم أن كل الأشياء تفكر فيك فتشاهد الأمكنة التي لم تغيّرها الأزمنة كشاهد عيان لم يبرح ولم يسرح في غربته منذ سنين ... كما أن الخطابين الأخيرين ... الأول كان لتيم من فتاته الدمشقية تخبره أنها مازلت على العهد .. وأنها تذهب كل يوم إلى جبل قسيون رغم بعد المسافة وحدها ... بعدما أدمعت قليلا كتبت له أنها تفتقده كثيراً وأنها تشعر بالضجر أثناء الطريق وتشعر بالخوف أيضاً حتى حين تكون فوق قمة الجبل وحين يحاول الهواء أن يخطتف جسدها منها ليطرحها أرضاً فيفشل ولكنه ينجح في سرقة الشال منها عنوة وعلى غفلة منها ... فتخبره لا أدري يا تيم كيف يمكنني أن أتحمل هذا دونك لو أنكَ معي الآن لاختلف الأمر كثيرا ... لكان على العكس تماماً ... فلربما كنت ستقوم بعمل حركة من حركاتك الجنونية وأعدته لي لأنك تعلم أنه من بقايا أمي ... أمي التي أمنتك عليَّ ... فأقسمتَ لها بأن تصون كل قطعة في ... وأن تصون كل الأشياء التي تخصني ... ولربما يا تيم المرة القادمة لا أدري ربما يصيب قوايا الوهن ... قد كبرتُ يا تيم ألف سنة في غيابك ... وفي كل سنة كانت كنتُ أشرع في الذهاب إلى دارك ... لكن هناكَ ما يوقفني على بابك ... لا أدري ماذا تقول عني والدتك الآن فهي لم تراني منذ أن سافرتَ ... وماذا سوف تقول حين تعود من غربتك وتخبرها .. أنكَ تشرع في زواجي ... ظل تَيم لفترة كبيرة من جراء هذا الخطاب متعبا شريد الفكرِ وقد منعته حالته من فتح الخطاب الثاني الذي حمل نفس العلامة المميزة وتلك الرائحة التي تعبق بالروح وتسلبها الفؤاد ... في كل مرة تَيم يحاول أن يفتح الخطاب الثاني فلا يستطيع ... فهو خائفٌ مما سيلقاه من كلمات تنتهج بلا شكٍ نهج الخطاب الأول الذي قد كان من صديقة طفولته وجليسة صباه وحليلته في الغدِّ إن قدر الله لهذا الغد أن يكون ... كما أن هذا الخطاب قد يكون مختلفا ... قد يكون من أمّهُ أو عن أمّهُ ... يتمتم في ألم ٍ ... يالا تعاثتك يا تَيم ... ماذا لو فتحته ولم يكن منها ماذا لو كان عنها ... كانت أمّهُ في آخر خطاب تُعاني من فجيعة فقدان الزوج كما أن سفر ابنها الوحيد الدائم وعدم عودته منذ آخر مرة التي كانت قبل ألفي عام ... مصيبتان كبيرتان لا يتحملهما أي امرىء ... وقد استشف تَيم هذا من خلال كلماتها الحزينة ونبرة صوتها في خطابها السابق ... فلم تحدثه عن أشياءه التي دائما ما تخبره أنها تعتني بها كما لو كان موجوداً تماما ... وما حدثته بلوم ٍعن افتقادها وعتبها على ريم حبيبته وأنها ما زارتها منذ أن سافر ... فلم تكتب له تلك العبارة التي لن ينساها ما عاش أبدا ... " تيم إنَّ فتاتك الدمشقية مازارتني فلن أكمل لك المسرحية " ... يظل تيم عقب قراءته تلك الجملة يضحك حتى تُجنُّ قواه الجسدية ويخر واقعاً ... فيفسر لمن بجانبه إن كان هناك رفيقاً من رفاقه ... فيقول ... هي تخبرني يا عزيزي أنها لن تتم زيجتنا أنا وريم منيّة قلبي وعمري ... لأن ريم ما ذهبت إليها منذ أن سافرت ولو لمرة واحدة ... ولكني أعلم أنها تمزح ... فيصمت قليلا ... فيكتب ... يا أمي إن كنتِ مازلتِ عندك في حيّنا الدمشقي القديم وإن كانت هناك بقايا من بقاياك ... خبزٌ ووردٌ وسجّادة صلاة عليها أنتِ في صلاتك يقوّمني دعاؤك ... أنا يا أمي لا أريد أن أفتح خطابك الأخير ... لأني أخشى أن لا يكون منك بل عنكِ ... وإني لا أتخيل الشام أو أي مكان آخر من العالم حتى مكاني هذا دونكِ يا أمَّاه ... فإن كنتِ على قيد الحياة ... فسأعرف في إطلالة المآذن على شاشة التلفاز ولمعان النجوم ... وهفيف الكروم ... عندما يقتربان مني ... وإن كنتِ غيرَ ذلك ... فما الداعي لفتحه فما الداعي بأن يَنقطع الوصل بيننا أما كفانا انقطاعه بالغربة ... هل سيكون أيضاً على آخر أمل كان يجمعنا ... هل من المفترض أن يُقطَعَ الوصل أيضاً حتى على الورق ... أمي إن كنتِ حيّة هنا في الأرض ... أرضنا الدمشقية في بيتنا الأمُوي ... أو إن كنتِ حيّة في لحدنا الأمُوي أيضا ... لن أفتح خطابك الأخير ... أريدك أن تبقي كما أنتِ حتى أعود ... كما أتمنى ألا تعتبي على ريم فإنها أخبرتني سر الابتعاد عنكِ ... هي لا تُريد أن تجدد أحزانك ... كما أنها تنتظر عودتي لنزورك معاً لنفاجئكِ معاً ... لنحبك معاً .. لنعوضك عن الأحزان معاً ... لنسقي زروع البيلسان معك ... لنعانق المطر في تشرين معكً ... ونجلس حول المدفأة في أيلول معك ... أيا ريم أيا أمي ... أيا أمي أيا ريم ... فالتعذراني لن أفتح بعد اليوم سوى خطابكما القديم ... تَيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير