" يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: حيث قلنا أن الكتاب دال على السنة وأن السنة إنما جاءت مبينة له، فذلك بالنسبة إلى الأمر والنهي والإذن أو ما يقتضي ذلك, وبالجملة ما يتعلق بأفعال المكلفين من جهة التكليف.
وأما ما خرج عن ذلك من الأخبار عما كان أو ما يكون مما لا يتعلق به أمر ولا نهي ولا إذن فعلى ضربين:
أحدهما: أن يقع في السنة موقع التفسير فهذا لا نظر في أنه بيان له ...
الثاني: أن لا يقع موقع التفسير ولا فيه معنى تكليف اعتقادي أو عملي فلا يلزم أن يكون له أصل في القرآن لأنه أمر زائد على مواقع التكليف وإنما أنزل القرآن لذلك.
فالسنة إذا خرجت عن ذلك فلا حرج، وقد جاء من ذلك نمط صالح في الصحيح، كحديث أبرص وأقرع وأعمى، وحديث جريج العابد ووفاة موسى، وجمل من قصص الأنبياء عليهم السلام والأمم قبلنا مما لا ينبني عليه عمل, ولكن في ذلك من الاعتبار نحو مما في القصص القرآني وهو نمط ربما رجع إلى الترغيب والترهيب فهو خادم للأمر والنهي ومعدود في المكملات لضرورة التشريع ... 2
هكذا يتوقف الفكر المقاصدي عاجزا عن دراسة الأحاديث من القسم الثاني وهو باب انسد مسده على فقيهنا الكبير. وجئت به هنا لنتبين بأن هذا الإعضال يذوب أمام قوانين السنن الإلهية.
شرح ابن حجر للألفاظ الحديث:
قَوْله 1: (بَدَا لِلَّهِ)
بِتَخْفِيفِ الدَّال الْمُهْمَلَة بِغَيْرِ هَمْز أَيْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه فَأَرَادَ إِظْهَاره، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ شَيْبَانَ بْن فَرُّوخ عَنْ هَمَّام بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظِ " أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ "، فَلَعَلَّ التَّغْيِير فِيهِ مِنْ الرُّوَاة، مَعَ أَنَّ فِي الرِّوَايَة أَيْضًا نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا وَالْمَعْنَى أَظْهَر اللَّه ذَلِكَ فِيهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى أَرَادَ قَضَى. وَقَالَ صَاحِب " الْمَطَالِع " ضَبَطْنَاهُ عَلَى مُتْقِنِي شُيُوخنَا بِالْهَمْزِ أَيْ اِبْتَدَأَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ، قَالَ: وَرَوَاهُ كَثِير مِنْ الشُّيُوخ بِغَيْرِ هَمْز وَهُوَ خَطَأ اِنْتَهَى. وَسَبَقَ إِلَى التَّخْطِئَة أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مُوَجَّه كَمَا تَرَى، وَأَوْلَى مَا يُحْمَل عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَاد قَضَى اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِمْ، وَأَمَّا الْبَدْء الَّذِي يُرَاد بِهِ تَغَيُّر الْأَمْر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا.
قَوْله: (قَذِرَنِي النَّاس)
بِفَتْحِ الْقَاف وَالذَّال الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة أَيْ اِشْمَأَزُّوا مِنْ رُؤْيَتِي، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا الْكَرْمَانِيُّ " قَذِرُونِي النَّاس " وَهِيَ عَلَى لُغَة أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث.
قَوْله: (فَمَسَحَهُ)
أَيْ مَسَحَ عَلَى جِسْمه.
قَوْله: (فَقَالَ وَأَيّ الْمَال)
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِحَذْفِ الْوَاو.
قَوْله: (الْإِبِل، أَوْ قَالَ الْبَقَر، هُوَ شَكّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَبْرَص وَالْأَقْرَع قَالَ أَحَدهمَا الْإِبِل وَقَالَ الْآخَر الْبَقَر)
وَقَعَ عِنْد مُسْلِم عَنْ شَيْبَانَ بْن فَرُّوخ عَنْ هَمَّام التَّصْرِيح بِأَنَّ الَّذِي شَكَّ فِي ذَلِكَ هُوَ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة رَاوِي الْحَدِيث.
قَوْله: (فَأُعْطِيَ نَاقَة عُشَرَاء)
أَيْ الَّذِي تَمَنَّى الْإِبِل، وَالْعُشَرَاء بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَفَتْح الشِّين الْمُعْجَمَة مَعَ الْمَدّ هِيَ الْحَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلهَا عَشْرَة أَشْهُر مِنْ يَوْم طَرَقَهَا الْفَحْل، وَقِيلَ: يُقَال لَهَا ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَلِد وَبَعْدَمَا تَضَع، وَهِيَ مِنْ أَنْفَس الْمَال.
قَوْله: (يُبَارَك لَك فِيهَا)
كَذَا وَقَعَ " يُبَارَك " بِضَمِّ أَوَّله. وَفِي رِوَايَة شَيْبَانَ " بَارَكَ اللَّه " بِلَفْظِ الْفِعْل الْمَاضِي وَإِبْرَاز الْفَاعِل.
قَوْله: (فَمَسَحَهُ)
أَيْ مَسَحَ عَلَى عَيْنَيْهِ.
قَوْله: (شَاة وَالِدًا)
أَيْ ذَات وَلَد وَيُقَال حَامِل.
قَوْله: (فَأَنْتَجَ هَذَانِ)
¥