[التفسير والمفسرون واتجاهاتهم]
ـ[محمد جابري]ــــــــ[26 Dec 2010, 12:26 ص]ـ
[التفسير والمفسرون واتجاهاتهم]
مدخل: ما التفسير؟
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِ?لْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان آية 33]
وقال تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]
فما التفسير؟:
التفسير: الاستبانة والكشف والعبارة عن الشيء بلفظ أسهل وأيسر من لفظ الأصل.
وهو اصطلاحا علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التركيبية.
وتفسير الشيء لاحق به متمم له وجار مجرى بعض أجزائه. (الكليات لأبي البقاء ص 260)
الاجتهاد يقتضي سبر معاني النص, واستخلاص درره لاستجلاب المفاهيم المتعددة من بين تراكيب النص وسياقه، بغية الاسترشاد والاهتداء، بنوره المشرق الوضاء، ولعل النص يتفتح عن رخصة ورحمة عميت عن أقوام، وبقيت مهملة بين ثنايا النص, شاردة، تبرز تارة، وتختفي تارة، كأنها صيد الخاطر، تدغدغ المشاعر حينا وتنجلي وتنسد كالوردة ليلا وتنغلق؛ لكن عبيرها لا ينطفئ، ومسكها الفياح يضوخ بكل طيب ريح لطيب عود؛ إذ هو روح وريحان، وتزيدها نفتحها نسمة فوق العبير وتتعدد النسمات وتنكشف الطبقات بعضها فوق بعض وتضحي جوهرة خالصة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرة.
ما التفت المفسرون لقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ولا أقاموا لها معنى فهذا الطبري على جلالته يقول: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس {ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} قال: تبيانه بلسانك.
والآية عهد من الله بتبيان دلالته. وكشف أسراره. وقد أبان لنا سبحانه وتعالى سر فهم عن الله فقال {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر: 12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ [غافر: 13]
وهذا الطبري على جلالة قدره يمر على الآية دون استخلاص دررها يقول عند تفسيرها {فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيّ الكَبِيرِ} يقول: فالقضاء لله العليّ على كل شيء، الكبير الذي كلّ شيء دونه متصاغراً له اليوم.
{هُوَ ?لَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ?لسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} * {فَ?دْعُواْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ?لْكَافِرُونَ}
يقول تعالى ذكره: الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته {وَيُنَزَّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} يقول ينزّل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم {وَما يَتَذَكَّرُ إلاَّ مَنْ يُنِيبُ} يقول: وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ، ويعلم حقيقة ما تدلّ عليه، إلا من ينيب، يقول: إلا من يرجع إلى توحيده، ويقبل على طاعته، كما:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ {إلاَّ مَنْ يُنِيبُ} قال: من يقبل إلى طاعة الله.
وهذا الطاهر بن عاشور وهو من هو من أهل اللغة وبراعة بلاغتها يؤول الآيات بالآيات الكونية وحين تعجزه الدلالة إنزال الرزق للمؤمنين بتخصيص "لكم" قال وتقديم {لكم} على مفعول {يُنزل} وهو {رزقاً} لكمال الامتنان بأن جُعل تنزيل الرزق لأجل الناس ولو أخر المجرور لصار صفة لـ {رِزْقاً} فلا يفيد أن التنزيل لأجل المخاطَبين بل يفيد أن الرزق صالح للمخاطبين وبين المعنيين بون بعيد، فكان تقديم المجرور في الترتيب على مفعول الفعل على خلاف مقتضى الظاهر لأن حق المفعول أن يتقدم على غيره من متعلِّقات الفعل وإنما خولف الظاهر لهذه النكتة.
وجُعل تنزيل الرزق لأَجل المخاطبين وهم المؤمنون إشارة إلى أن الله أراد كرامتهم ابتداء وأن انتفاع غيرهم بالرزق انتفاع بالتبع لهم لأنهم الذين بمحل الرضى من الله تعالى.
وهو إقحام لدلالات لا وجود لها في نص الآية بالتأويل البعيد، والجنوح بدلالتها بعيدا عن العقل ومنطقه.
¥