[علم مقاصد السور [4] (أصل العلم وأدلته) [1]]
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[27 Jun 2007, 10:18 م]ـ
تأصيل علم مقاصد السور، وأدلته من الكتاب والسنة وأقوال السلف.
العلم بمقاصد السور لم ينص عليه الأوائل، وإنما اعتبره الصحابة والتابعون –بالاستقراء والممارسة في تفسيرهم، ولم يُنص على هذا العلم بهذا الاسم إلا عند المتأخرين، وذلك شأن جميع العلوم، فإن العلوم كانت ممارسة عند السلف، ولكن التسمية جاءت متأخرة، فعلم النحو مثلاً كان ممارسا ولم يكون موجودا، وعلم البلاغة كان ممارساً ولم يكن موجوداً، وهكذا في علوم القرآن في أنحاء شتى، ومصطلح الحديث وعلوم أخرى.
قال البقاعي في كتابه مصاعد النظر مؤكداً ذلك: " وقد كان أفاضل السلف يعرفون هذا، بما في سليقتهم من أفانين العربية، ودقيق منهاج الفكر البشرية، ولطيف أساليب النوازع العقلية، ثم تناقص العلم حتى انعجم على الناس، وصار حد الغرابة كغيره من الفنون " ([1]).
وبالتأمل في الكتاب والسنة وتفاسير السلف والآثار الواردة عنهم نجد أصل هذا العلم ظاهراً:
فبالتأمل في القرآن نجد ما يدل على هذا العلم من وجوه:
أولاً: بناء القرآن على مقاصد عامة ترجع إليها جميع معاني سوره وآياته.
إذا كان القرآن مبنياً على مقاصد أساسية، ترجع سوره وآياته إليه، فلابد أن تكون هذه السورة هادية إلى هذه المقاصد، ودالة عليها، وإذا كان كذلك فلابد أن يكون لكل سورة جهة مخصوصة في الدلالة على المقصد الأساسي، فهذا دليل واضح على اختصاص كل سورة بمقصد معين.
قال الغزالي: " وسر الكتاب حاصل في دعوة العباد إلى ربهم المعبود، ولذلك انحصرت سوره في ستة أنواع: ثلاثة مهمة: تناولت معرفة الله تعالى، ومعرفة الصراط، والمآل، وثلاثة متمة: تناولت أحوال الأولياء والأعداء وسبل الطاعة " ([2]).
ثانياً: تقسيم القرآن إلى سور وآيات
لاشك أن لتقسيم القرآن على السور والآيات دلالة ظاهرة على مقاصد السور، و تقسيم القرآن إلى سور محددة كل سورة تتميز باسمها وافتتاحيتها ومضمونها دال على انتظامها على مقصد مخصوص تهدي إليه جميع آياتها.
قال صاحب الكشاف في فوائد تفصيل القرآن وتقطيعه سورا: " فإن قلت: ما فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً؟ قلت: ليست الفائدة في ذلك واحدة ... ومنها: أن التفصيل بحسب تلاحق الأشكال والنظائر، وملائمة بعضها لبعض، وبذلك تتلاحق المعاني والنظم " ([3]).
كما أن تعريف السورة بهذه الكلمة (سورة) يعني أنها بمثابة سور يحيط بموضوع معين، وهذا يعني أن كل سورة ذات محور يدور حوله موضوعها أو مواضيعها ([4]).
ويؤكد ذلك البقاعي فيقول: " السورة: تمام جملة من المسموع يحيط بمعنى تام بمنزلة إحاطة السور بالمدينة " ([5]).
ويقول ابن عاشور: " السورة قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة " ([6]).
ويؤكد انتظام السورة على مقصد معين يجمع آياتها ومعانيها أن الله تعالى قد تحدى العرب بسور القرآن في ثلاثة مواضع، ولولا أن هذه السورة مبنية بناء محكماً في لفظها ومعناها لما نص عليها في التحدي، فهذا التحدي دال على كمال هذه السورة من جميع الوجوه، ومن أعظمها انتظامها في مقصد واحد مع تفاوت موضوعاتها وقصصها. ولا يقل انتظمها من جهة المعنى عن انتظامها من جهة اللفظ، بل هما متلازمان إذ أن بناء اللفظ في الكلام مبني على المعنى.
قال ابن عاشور: " وإنما كان التحدي بسورة ولم يكن بمقدار سورة من آيات القرآن؛ لأن من جملة وجوه الإعجاز أموراً لا تظهر خصائصها إلا بالنظر إلى كلام مستوفى في غرض من الأغراض،وإنما تنزل سور القرآن في أغراض مقصودة، فلا غنى عن مراعاة الخصوصيات المناسبة لفواتح الكلام وخواتمه بحسب الغرض، واستيفاء الغرض المسوق له الكلام " ([7]).
وقال الدكتور زياد خليل: " وقد ظهر اليوم بُعد جديد للتحدي بسورة من مثله، إذ لا يتوقف ذلك على مجرد دقّة النظم في السورة من جزالة في أسلوبها وفصاحة في ألفاظها وجمال في تركيبها، بل كذلك في وحدة موضوعها " ([8]).
ثالثاً: أن هذا القرآن أنزل محكماً.
¥