[الطين هل هو مادة منحطة أم شريفة؟؟؟ ولماذا]
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[25 Dec 2010, 09:56 م]ـ
سؤال للمدارسة
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ)
ويقول سبحانه: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ)
هل الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام مادة منحطة أم شريفة؟؟؟. وإن كانت وضيعة فما الحكمة من أن الله تعالى خلقنا من مادة وضيعة؟؟؟. وإن كانت شريفة فلماذا جزم ابليس عليه اللعنة أن النار التي خُلق منها أفضل من الطين الذي خلق منه آدم؟؟؟
وجزاكم الله خيراً.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[25 Dec 2010, 10:30 م]ـ
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: (تنبيه
مثل قياس إبليس نفسه على عنصره، الذي هو النار وقياسه آدم على عنصره، الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم. ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى: {اسجدوا لآدم} يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار. وإليه الإشارة بقول صاحب "مراقي السعود": [الرجز]
والخلف للنص أو إجماع دعا
فساد الاعتبار كل من وعى
فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسلفه في ذلك إبليس وقياس إبليس هذا لعنه الله باطل من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه فاسد الاعتبار؛ لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبا.
الثاني: أنا لا نسلم أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة فيعطيكها سنبلة والنواة فيعطيكها نخلة.
وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة، وما فيها من الثمار اللذيذة، والأزهار الجميلة، والروائح الطيبة. تعلم أن الطين خير من النار.
الثالث: أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن النار خير من الطين، فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم؛ لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع، بل قد يكون الأصل رفيعا الفرع وضيعا، كما قال الشاعر: [البسيط]
إذا افتخرت بآباء لهم شرف ... قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقال الآخر: [المتقارب]
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهلة) أضواء البيان (1/ 33 - 34):
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[25 Dec 2010, 10:40 م]ـ
لا شك أن قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) يقتضي شرف ما خلقوا منه، وهو مقتضى الحكمة البالغة حين قال جل في علاه مخاطبا ملائكته: (إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
وأما قول إبليس فكفر واستكبار وقول داحض بيّن الله عاقبته السيئة.
وقد عدَّد العلماء أمورا يتبين فيها شرف الطين على النار، كما بينوا سوء هذه المقولة وبطلانها.
يقول شيخ الإسلام: " فصل حجة إبليس في قوله: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} هي باطلة لأنه عارض النص بالقياس. ولهذا قال بعض السلف: أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. ويظهر فسادها بالعقل من وجوه خمسة:
" أحدها " أنه ادعى أن النار خير من الطين وهذا قد يمنع، فإن الطين فيه السكينة والوقار والاستقرار والثبات والإمساك ونحو ذلك وفي النار الخفة والحدة والطيش والطين فيه الماء والتراب.
" الثاني " أنه وإن كانت النار خيرا من الطين فلا يجب أن يكون المخلوق من الأفضل أفضل، فإن الفرع قد يختص بما لا يكون في أصله، وهذا التراب يخلق منه من الحيوان والمعادن والنبات ما هو خير منه، والاحتجاج على فضل الإنسان على غيره بفضل أصله على أصله حجة فاسدة احتج بها إبليس وهي حجة الذين يفخرون بأنسابهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " {من قصر به عمله لم يبلغ به نسبه} ".
" الثالث " أنه وإن كان مخلوقا من طين فقد حصل له بنفخ الروح المقدسة فيه ما شرف به فلهذا قال: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} فعلق السجود بأن ينفخ فيه من روحه فالموجب للتفضيل هذا المعنى الشريف الذي ليس لإبليس مثله.
" الرابع " أنه مخلوق بيدي الله تعالى كما قال تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وهو كالأثر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وعن عبد الله بن عمرو في تفضيله على الملائكة حيث قالت الملائكة: " {يا رب قد خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون وينكحون ; فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا فقال: لا أفعل. ثم أعادوا. فقال: لا أفعل ثم أعادوا فقال: وعزتي لا أجعل صالح من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان} ".
" الخامس " أنه لو فرض أنه أفضل فقد يقال: إكرام الأفضل للمفضول ليس بمستنكر " ا. هـ.
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[26 Dec 2010, 06:36 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيراً على تعليقاتكم ومروركم
ولكن يبقى السؤال شاغراً حتى ولو ثبت أن النار أفضل من الطين. فهل يعني ذلك بالضرورة أن الطين مادة شريفة لا وضيعة؟؟؟
وما قولكم بما قاله الشنقيطي في أضواء البيان: وأمر الإنسان بأن ينظر مم خلق في قوله: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [86/ 5]، تنبيه له على حقارة ما خلق منه، ليعرف قدره، ويترك التكبر والعتو، ويدل لذلك قوله: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ... } الآية [77/ 20].
وبين جل وعلا حقارته بقوله: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [70/ 38]، والتعبير عن النطفة بما الموصولة في قوله: {مِمَّا يَعْلَمُونَ} [70/ 39]، فيه غاية تحقير ذلك الأصل الذي خلق منه الإنسان، وفي ذلك أعظم ردع، وأبلغ زجر عن التكبر والتعاظم.
والى ذلك ذهب أيضاً القرطبي والألوسي والزحيلي وغيرهم كلهم قالوا أنه خلق من نطفة أصلها حقير وضيع.
¥