تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون [التوبة: 105]]

ـ[محمد جابري]ــــــــ[24 Dec 2010, 01:36 م]ـ

{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} "] [التوبة: 105]

جاءت هذه الآية في سياق سورة التوبة. و بعد أن تعرض الله للسابقين بالخيرات وما أعد الله لهم, وتكلم عن المنافقين وعذابهم ثم عن الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا, وأمر رسوله ? بالأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وحضه على الدعاء لهم؛ جاء الخطاب القرآني بهذه الآية في صيغة تلقين وعطف القول على الأمر بالأخذ والدعاء.

ترى ما قيمة الأعمال عند الله؟ وما جزاؤها وأنواعها وكيفية رؤية الله ورسوله والمؤمنين للأعمال؟ ذلك ما ستحاول السطور التالية الإجابة عنه.

سنة الله الكونية والقرآنية في الأعمال:

I- الحرية في اختيار الأعمال:

في التصور الإسلامي إعلاء من شأن إرادة الإنسان فهي مناط العهد مع الله, وهي مناط التكليف والجزاء ...

بهذا يملك الإنسان الارتفاع على مقام الملائكة بحفظ عهده مع ربه عن طريق تحكيم إرادته وعدم الخضوع لشهواته والاستعلاء على الغواية التي توجه إليه, بينما يملك أن يشقي نفسه ويهبط من عليائه بتغليب الشهوة على الإرادة والغواية على الهداية ونسيان العهد الذي يرفعه إلى مولاه.

{فإما يأتينكم مني هدى, فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 38 - 39]

فالمرء خيّره خالقه بين اتباع أسباب الهدى والضلال وأعطاه الإرادة لفعل ما شاء:

{أفمن يلقى في النار خير؟ أم من يأتي آمنا يوم القيامة؟ اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} [فصلت: 40]

{إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان: 3]

هكذا أطلق الله العنان لاختيار العمل. ولم يكتف بتحرير إرادتهم بل أذن لهم في أن يعبدوا ما شاءوا وأن يفعلوا ما شاءوا:

{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]؛

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40]

ترى فما قيمة الأعمال وما جزاؤها عند الله في الدنيا والآخرة؟

II- قيمة الأعمال في ميزان الله:

إن الإسلام منهج حياة واقعية, لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى فعل و حركة. وللنية الطيبة مكانها في تحديد قيمة العمل بمدى ارتباطه أو عدم ارتباطه بمبدأ الإخلاص لوجه الله تعالى.

وتختلف قيمة العمل باختلاف الأشخاص في الإيمان والكفر, وتتحد قيمة أعمال الكافرين على اختلاف جهدهم واجتهادهم في كونها سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا, أو رمادا اشتدت به الريح في يوم عاصف, فلا قيمة ولا وزن لها في ميزان الله.

فلا ينفع مع الكفر عمل مهما عظم وكبر أو دق وصغر, كما لا ينفع مع الإيمان عمل عُمِلَ لغير وجه الله.

بينما تتفاوت الأعمال الخالصة لوجه الله تعالى درجات. وأعظمها قدرا وأعلاها شأناً ما ارتبطت بذات الله ذكراً وتعظيما لجلاله.

وتختلف أيضا قيمة العمل باختلاف الأعضاء المنفذة أكانت أعمال الجوارح أم أعمال القلوب؟ فأعمال القلوب أغلى وأعلى عند الله (ما لم تشبها شائبة) من أعمال الجوارح, كما تتفاوت الطاعات و المعاصي بأثرها، فرب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت غروراً واستكباراً.

وتختلف الطاعات بالجملة بمدى مراعاة شروط قبول العمل أو رده. من أهمها الذلة بين يدي الله وعلى المؤمنين.

تقتضي الذلة بين يدي الله: المهابة و التعظيم لجلاله والخشية من غضبه و نقمه و الخضوع لأمره و نهيه, كما تقتضي الذلة على المؤمنين الرأفة بصغيرهم والرحمة بكبيرهم و الخدمة لجميعهم والتماس الأعذار لمسيئهم و العفو عند المقدرة على ظالمهم والاستغفار لحيّهم وميّتهم.

(1) - مراعاة أولوية العمل:

إن الصدقات التي تقدم لحكومات بعض الدول المسلمة الله, المحاربة لدين الله سرا وجهرا لجديرة أن تنتصب في ميزان السيئات أولى من سجل الحسنات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير