وأقصد بالشباب هنا الطالب والعامل والطبيب والمهندس كل فئات المجتمع مستقبلا هي التي ستحمل الدور القادم – وهو في تقديري الشخصي – دور عظيم لأنكم جيل فيما يبدو ويظهر لي تحرير من كثير من العقد والقيود التي عاشتها الأجيال السابقة، لأن الأجيال السابقة كانت وليدة أوضاع ظلم وقهر واستبداد محلي وخارجي، وعاشت في أجواء تشر ذم وتشتت وتمزق، كل هذا الأوضاع والأجواء سيكون محصلتها أدعى أنه تحرر.
أنظر لتلك الأجيال التي عاشت تلك الأوضاع كيف انتكست، سرعان ما رفعت شعارات ضخمة كالحرية والديمقراطية لكنها حينما وصلت إلى مقاليد السلطة مارست أبشع أنواع القهر والاستبداد لأنها كانت مسكونة بالقهر والاستبداد باعتبارها وليدته ومحصلة بيئته.
أقول هذا الجيل سيكون جيل التغيير إن شاء الله، جيل التمكين لهذا الدين، جيل تحقيق المشروع الإسلامي الحضاري بأبعادة وجوانبه وفروعه وتشعباته المختلفة وليس جيل إثبات الهوية.
الجيل السابق والذي لا يزال بعضه يعيش حتى الساعة كانت مهمته إثبات الهوية والحفاظ على مقومات الأمة وكينونيتها من أن تتلاشى وتنتهي وتبيد حافظ على هذا الكيان ووصل إلى القدر الذي شكل إجماعا على مستوى العالم الإسلامي كله بأنه هوية الأمة لم تكن ولن تكن إلا بالإسلام وبالإسلام وحدة، هذه قضية الجيل السابق ناضل وجاهد وكافح من أجلها ووصل إلى الغاية المنشودة فيها.
الأمل فيكم أن تقدموا النموذج العملي والبديل المشاهد، وأن تصنعوا الحدث ولا تكونوا صدى أو رجع صدى لحدث أخر.
ليس المطلوب منكم أن تقرءوا التاريخ بل أن تصنعوا التاريخ من مواقعكم المختلفة وأن تدخلوه من أوسع أبوابه ولا تستصغروا أنفسكم ولا تتقزموا أمام هذه القيم العالية فالأمور قابلة لمن عزم وصمم وكانت له إرادة قوية.
مطلوب منكم اليوم دور ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي، مطلوب وفي مختلف جوانب الحياة.
تواصل وتفاهم وحوار
وإذا كان من الصعب الحديث عن كل هذه الأدوار فقد ركزت على ثلاثة أدوار رئيسية:-
الدور الأول:- دور دعوى ثقافي:
وهذا الدور مشروع دولة، مشروع أمة بكاملها، وليس مشروع فئة معينة أو حزب بعينه، لأن الثقافة لا يمكن أن تتحملها فئة أو يحتكرها فرد، وأتصور أن أول منطلق في هذا الجانب هو أن يكون المشروع خلافيا – ولا نتخوف من هذا الجانب هو أن يكون المشروع الخلافي يعني اجتهاد، ولهذا يسمى مشروعا أي أنه قابل للخطأ و الصواب، لا أقول مشروعنا الكتاب والسنة لأنهما معصومان، ولكن أقول مشروعنا الإسلامي من الكتاب والسنة، يعني اجتهادنا وفهمنا للإسلام ولكيفية التمكين له في الأرض، إذا أول نقطة مطلوبة هي استيعاب المشروع الإسلامي استيعابا حقيقيا وليس فقط الإيمان والإعجاب به.
النقطة الثانية:
ضرورة فهم الواقع الثقافي الحالي والتعامل معه بندية وكفاءة واقتدار، إذ لا بد لشباب التغيير أن يفهموا طبيعة المعركة الحالية، المعركة الثقافية من أقوى وأعنف المعارك فالمدخل للاستعمار اليوم لن يكون إلا عبر الثقافات وصراع الحضارات وهي ثقافة لا تغزونا إلى داخل البيوت بل تقتحم علينا أسرة نومنا، تهاجمنا ليل نهار وفي كل لحظة وتأتينا بوسائل عصرية حديثة ومثيرة مستخدمة كل التقنيات والعلوم الحديثة في إيصال فكرتها إنها معركة تحتاج أن نستوعبها وأن نفقة مفرداتها وأن نفهم مصطلحاتها ومرتكزاتها وأن ندرك آثارها النفسية والفكرية والخلقية حاضرا ومستقبلا.
إن حل المشكل الثقافي يحتاج إلى جهد كبير وعقول كبيرة وثقة عالية بما عندكم فلا مجال اليوم للخوف ولا مجال للتواري ولانزواء، إن مرحلة نصب الأسوار الحديدية على العقول انتهت ولا يمكن ولا ينبغي أن يخطر ولو في عالم الخيال أن يتخوف المسلم من الاحتكاك بغيره، وأن يجادل ويحاور ويتعامل مع الآخر.
إن الإسلام في أصله وجوهره، في هدفه وغاياته يبحث عن التفاعل ويبحث عن الاتصال وحرية التواصل والمسلم الواثق من مسيرته الواعي لفكرته المستوعب لحضارته، لا يهرب من هذه المعارك والمعتركات بل يرحب بها ويسعى إليها وهو مستيقن في النهاية بأن الغلبة له، لأنه يملك الحجة والمنطق ويحب الحق والعدل والجمال (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
¥