تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما ما قاله بعضهم من صرف المعنى عن ظاهره , وأنه صلى الله عليه وسلم أراد مكة فإنه يخالف الروايات الكثيرة والصريحة في أنهم أهل اليمن , نحو: أتاكم أهل اليمن , وجاءكم أهل اليمن , ثم جاءت الإشارة في روايات أخرى لتؤكد هذه الأمور , وقد اختار النووي هذا الرأي , وحسنه أبو عبيدة.

ومن هذا الباب ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة , فقال: " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه "

وزاد قتيبة في روايته: وأشار بيده يقللها.

وفي رواية أخرى: " وقال بيده يقللها يزهدها " (81)

وهذه الإشارة استنبط منها الصحابة معنى القلة , كما نص على ذلك الراوي , مما يعني أنهم مصطلحون ضمناً على إشارات يفهمون منها معاني خاصة , ولذلك [جاء في رواية سلمة بن علقمة .... ووضع أنمله على بطن الوسطى , أو الخنصر يزهدها.

وبين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع أنمله هو بشر بن المفضل رواية عن سلمة بن علقمة , وكأنه فسر الإشارة بذلك , وأنها ساعة لطيفة تنتقل بين وسط النهار إلى قرب آخره , وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله " يزهدها " أي: يقللها.

ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة [وهي ساعة خفيفة].

وللطبراني في الأوسط من حديث أنس [وهي قدر هذا] يعني: قبضة.

قال الزبير بن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها , والحض عليها ليسارة وقتها , وغزارة فضلها ...

و فائدة الإبهام لهذه الساعة , ولليلة القدر , بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء , ولو بيَّن لاتكل الناس على ذلك , وتركوا ما عداها , فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها] (82)

ولا شك أن الاختصاص بالإشارة هنا لا يراد منه ساعة دون أخرى , ولكن يراد منه التنبيه على قلة وقت الإجابة كما فسر العلماء , حيث قالوا: أن هذه الإشارة تعني أنها يسيرة , أو تعني أنها ساعة خفيفة.

وقيل إنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة.

وقيل: عند الشروق.

وقيل قبل الغروب ...

وكل ذلك تفسير للإشارة بالقلة؛ حتى يجتهد المسلم في كل وقت , لعله يدركها.

دلالة الإشارة على التشبيه

للتشبيه في البيان العربي منزلة عالية , قال عنها الإمام عبد القاهر: [وهل تشك في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين , حتى يختصر ما بين المشرق والمغرب , ويجمع ما بين المشئم والمعرق , وهو يريك للمعاني الممثلة بالأوهام شبهاً في الأشخاص الماثلة ,والأشباح القائمة , ويُنطق لك الأخرص , ويعطيك البيان من الأعجم , ويريك الحياة في الجماد , ويريك التئام عين الأضاد , فيأتيك بالحياة والموت مجموعين , والماء والنار مجتمعين ... ] (83)

وظهور الإشارة في دائرة البيان , وولوجها في تصاويره الكثيرة دليل على قدرة الإشارة على حمل المعاني , وأدائها على أتم وجه , ولذا يستعان بالإشارة في الصورة التشبيهية , لأن بينهما علاقة وصلة رحم فالغرض الأول من التشبيه هو البيان والإيضاح , وليس هناك أقوى من الإشارة في إبراز المعاني في صور مشاهدة محسوسة تراها العيون , وتتلمسها الأيادي.

ومن هذا ما رواه سيدنا عمار بن ياسر قال: " بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت , فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة , ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له , فقال: " إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا " ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة , ثم مسح الشمال باليمين وظاهر كفيه ووجهه " (84)

ولا شك أن صنيع سيدنا عمار إنما كان بعد سماعه قول الله تعالى: " (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (المائدة:6) لأنه لن يفعل شيئاً دون دليل , لكن الآية لم تبين كيفية التطهر , ولا مقداره .. , لذلك بالغ سيدنا عمار فعم الجسد بالتراب.

وكان تعليمه من الصورة الإشارية التشبيهية , فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتعليمه عملياً , وهو ينظر , ولو افترضنا لفظاً يقوم مقام الإشارة , لما وفى بالبيان العملي لكيفية الضرب للأرض , وعدد المرات وما الذي يبدأ به من الأعضاء؟ , وإلى أي مدى يكون المسح؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير