تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتشريحية "تعمل من داخل النص لتبحث عن الأثر"، على حد تعبير (ليتش)؛ وهكذا فعلت التناصية. ومفهوم الأثر ـ بهذا الإدراك والتحليل ـ ينبع من قلب النص عند ديريدا وليتش، ويمثل الوحدة النظرية في (النحوية)؛ مما جعله هدفاً للقارئ الناقد؛ ولم يخرج بارت عن ذلك (16).

وحين نتأمل مفهوم الأثر ندرك أنه مفهوم جمالي يحصّله القارئ بوساطة عناصر البنية النصية وشفراتها. وسبق إليه ابن طباطبا، ثم قُنن بما يشبه لدى التناصية في نظرية (النظم) عند عبد القاهر الجرجاني. فهي قائمة على "تضافر بلاغيات الجملة مع نحوها لتأسيس جماليتها بعيداً عن قيد المدلولات". كما أحسبه "سحر البيان الذي أشار إليه القول النبوي" (17)، "إن من البيان لسحرا" (18). فالغذامي يفيد من الجرجاني كثيراً في فهمه لنظرية التناص في ضوء نظرية (النظم) التي تستند الصياغة فيها إلى اللفظ العام والخاص والمشترك والمؤول.

إذاً؛ أخذت التشريحية تتحول نحو اتجاه نقدي جديد يمكن تسميته بالتناصية وفق نظرة شمولية. والبنيوية ـ عامة ـ قدَّمت إسهامات كبرى في صياغة جملة من مبادئ نظرية التناص ولاسيما ما يتصل بالوظيفة الشعرية. وكان (رومان جاكبسون) أحد روادها ونقادها المشهورين؛ وهو من حصر الوظيفة الجمالية أو الشعرية في إسقاط العلامات اللغوية من محور الاختيار باعتباره استبدالياً على المحول التركيبي باعتباره محوراً تأليفياً تبعاً للعلاقات الدلالية في التماثل والتضاد والتنافر ... و ... ثم أخذ مفهوم الوظيفة الجمالية يرتقي في إطار السياق الشعري لا المرجعي (19).

هكذا أفادت نظرية التناص من ذلك كله؛ وإن حاول بعض نقادها أن يربطوا بين النصوص السابقة والنص الموجود وعلاقته الكبرى بالمتلقي له ... وقد سعى الغَذَّامي إلى بيان وظيفة الاتِّصال عند (رومان جاكبسون) وأوضح أن حازم القرطاجني كان قد سبقه إلى التعريف بقيمة هذه الوظيفة ... على حين أغفل أو تغافل عن أسبقية مفهوم الأثر عند ابن طباطبا (ت 322 هـ).

فناقدنا سبق الجميع إلى مفهوم الأثر في (عيار الشعر ص 29) ولم يشر إليه الغذامي في (الخطيئة و التكفير)، في هذا الجانب ... ولا يمكننا في هذا المقام أن نتغافل عما قدمه محمد عبد المطلب في كتابه (قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني)، فقد أشار إلى قضايا كثيرة سبق بها الجرجاني الغربيين تتعلق بآليات التناص، وأشكاله ...

ونكتفي بهذه الإشارات؛ لأن البحث ليس معقوداً للتفصيل في نظرية التناص وإنما لبيان أثر العرب في الغرب على صعيد الترابط بين النُصوص. ومن ثم على صعيد الحديث عن تفسير مفهوم النّص وأثر التوارد وغيره فيه. وهو ينطلق من النص ذاته؛ فيقول (بول دي مان): "يعتمد التفسير اعتماداً مطلقاً على النص؛ كما أن النص يعتمد اعتماداً مطلقاً على التفسير" (20). أما

(بارت) فقد جعل الأثر الفني للنص لا يتوقف؛ لأن تحليله "ينكر وجود مدلول نهائي" (21). وهو عينه ما وجدناه عند عبد القاهر في بيان أثر معاني النحْو، الأُوَل والثواني ...

إن تلك الإشارات كافية لتؤكد لنا مدى الفائدة التي قدمتها النظريات النقدية الغربية لنظرية التناص؛ ولتبرز أن الغرب حاول أن يجعل النظرية اللاحقة مبنية على السابقة دون أن يلغيها؛ لأنها غدت ملك الأجيال والإنسانية ... ثم جاء الخطاب النقدي العربي فأخذ كل جديد قدمه الغرب. وهذا ليس بعيب لكن العيب فيه أن يبقى في إطار النقل والنسخ. وأن يتغافل عما قدمه النقاد العربُ القدامى- غالباً-.

وهذا يفرض علينا أن نتبين بسرعة نشأة نظرية التناص ومفهومها.

http://www.awu-dam.org//book/03/study03/5-h-j/book03-sd014.htm

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير