[تأملات تربوية في سورة يوسف (1)]
ـ[الدكتور عثمان قدري مكانسي]ــــــــ[26 - 11 - 2006, 03:06 ص]ـ
تأملات في سورة يوسف (1)
دكتور عثمان قدري مكانسي
1 - التخطيط واتخاذ الأسباب: العمل الارتجالي لا يُؤتي أُكُلَه كما لو كان مُعَدّاً إعداداً جيداً ومدروساً دراسة وافية، معروفة أبعادُه وجدواه ومراحلُه.
وكل عمل أو فكرة تخطر على البال لا بد أن تُخطط له تخطيطاً جيداً تراعي فيه الهدف منه وبدايتَه وإتمامَه وإيجابياتِه وسلبياتِه، وإلا كان عملاً عشوائياً قد ينجح وقد يفشل. واحتمالات فشله أكبر .. وإن نجح فنجاحه مرحليّ أو غير مكتمل.
وسورة يوسف تضع بين أيدينا نماذج من التخطيط الذي يؤدي إلى الوصول إلى الهدف المنشود، سواء كان طيباً أم خبيثاً، منها:
- ما فعله إخوة يوسف حين شعروا أن أباهم يحبه أكثر مما يحبهم، ويفضله عليهم، فدبت الغَيرة في نفوسهم وقرروا التخلص منه، فماذ يفعلون؟! .. تدارسوا الأمر بينهم وقلّبوا الوجوه، فقال بعضهم: " اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخْلُ لكم وجهُ أبيكم، وتكونوا من بعده قوماً صالحين " .. تفكير شيطاني سهل لهم فكرة القتل، فبعد جريمتهم يعودون أتقياء أنقياء! .. وكأن القتل لا يترك في القلب نكتة سوداء تؤرق صاحبَها إلى أن يموت.
وقال بعضهم: " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين " .. وهذه الفكرة أخف من القتل، وإن كانت في حق الأخوّة قاسية جداً .. قلبوا وجوه الأمر فرأوا أن إلقاءه في الجب أسلمَ لهم، ولن يؤرقهم كما لو أنهم قتلوه ... ثم جاءوا أباهم يقنعونه أن يسمح لهم باصطحاب يوسف في رحلة برية يتريّضون ويصطادون. وأكدوا له حرصَهم على أخيهم .. فلما أظهر الأب تخوّفه أن يتركوه – وهو صغير – فيعدو عليه الذئب في غفلة منهم فيأكله أقسموا أنهم لن يتركوه، وإلا كانوا خاسرين، ليست فيهم صفات الرجولة والنباهة ... وكأن يعقوب عليه السلام لقّنهم حجّة هم بحاجة إليها يتعللون بها عند أبيهم ... وهكذا كان.
" قالوا: يا أبانا، مالك لا تأمنّا على يوسف! وإنا له لناصحون،
أرسلْه معنا غداً يرتع ويلعب ْ، وإنا له لحافظون.
قال: إنني ليَحزُنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه
غافلون.
قالوا لئن أكله الذئب – ونحن عصبة – إنا إذاً لخاسرون "
وحبكوا قصتهم، ورتبوا مكرهم " وجاءوا أباهم عشاءً يبكون،
قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق، وتركنا يوسف عند متاعنا،
فأكله الذئب، وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين."
فقد:
1 - جاءوا أباهم عشاءً فلا يرى الغدر في عيونهم، والكذب في أقوالهم.
2 - بدأوا يبكون، فشعر بالخطب الجسيم قبل أن يُلقوه على سمعه.
3 - هيّأه بكاؤهم لتقبل المصيبة، التي سيسمعها منهم.
4 - تلطفوا له بالقول " يا أبانا " ولهذا فائدتان:
الفائدة الأولى أن هذه الكلمة للاستعطاف ليرق قلبه لهم فلا يعاقبهم.
الفائدة الثانية: إيهامه صدقهم وحرصهم على أخيهم.
5 - أسمعوه العذر الذي سمعوه منه في اعتذاره عن إرسال يوسف معهم " أكله الذئب "
6 - أنت لا تصدقنا مع أننا صادقون.
7 - جاءوا بقميص يوسف ملطخاً بدم للتأكيد على أكل الذئب له.
لكن هذا التخطيط المحكم نقضه خطأ كبير وقعوا فيه دون أن يشعروا حين "
وجاءوا على قميصه بدم كذب.
قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل،
والله المستعان على ما تصفون."
كان القميص ملوثاً بدم لكنه لم يكن ممزقاً، فالذئب الذي أكله كان ذكياً! إذ جعله يخلع قميصه قبل أكله كي يستفيد منه إخوته! ... لقد كان التخطيط ناقصاً فيه ثغرة فضحتهم وعرف الأب ذلك، فقال: هذا مكر دفعه إليكم نفوسكم الخبيثة.
- وهذه امرأة العزيز تراود يوسف عن نفسه حين بلغ مبلغ الرجال، وكان جميلاً وسيماً، تتفجر الدماء من عروقه، ويطفح وجهه إشراقاً، فيأبى ذلك ويقول: " معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، إنه لا يُفلح الظالمون. " فزوْجُها أكرمَ يوسفَ وتعهده بالرعاية، فكيف يسيء إليه في عرضه وشرفه؟! لا يفعل ذلك إلا الخائنون الذين يجازون الإحسان بالسوء، ويوسفُ ليس منهم.
وانتشر الخبر بين نساء المدينة
1 - امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه.
2 - امتنع عليها وأذلّ كبرياءَها.
والأمران وصمة عار عليها، فأرادت أن تلجم أفواههنّ، فماذا فعلتْ؟
¥