[نحو منهجية لدراسة النص الأدبي]
ـ[غير مسجل]ــــــــ[30 - 09 - 2006, 01:52 ص]ـ
[نحو منهجية لدراسة النص الأدبي]
توطئة:
تقومُ هذه الدراسة على تتبّع أهمّية المنهجيّة في الحصول على المعرفة الحقيقية، وحضور القارئ كركنٍ أساسي لفهم حركة الإنسان والثقافة والأدب، واعتماد النص كمدخل دراسي.
بداية، فإنّ مصطلح منهجيّة ليس طارئاً على العقلية العربية؛ فلقد وردت عند العرب في تراثهم، فذكرها ابن منظور في " لسان العرب" مادة نهج، فقال: نَهَجَ: نَهْجٌ: طريق بَيّنٌ واضح، وهو النّهجُ، ومَنَهجُ الطريق وضحه، والمنهاج: كالمَنْهجُ، وفي التنزيل: "لكلٍ جعلنا منكم شِرعة ومِنهاجا (1) ً". والمِنهاج: الطّريقُ الواضحُ، وَنهجْتُ الطريقَ: سلكتُه، والنهج: الطريق المستقيم". (2)
والمنهجية هي الطريقة الواضحة التي يجب على الباحث والدارس أن يسلكها في بحثه، وهي مجموعة التقنيات والوسائل التي تساعده في الحصول على المعرفة.
إن اهتمام العرب والمسلمين بمناهج العلوم من الأمور المعروفة لدى الدارسين، بحيث شهد بذلك الدارسون العرب والمستشرقون، وإن كثرة الدراسات والمؤلفات عند المؤلفين العرب القدماء في هذا الباب لتؤكد على ذلك، فقلما نجد عالماً لم يخض في أهمية العلم، وأسلوب المعلم والمتعلم، وربط الدراسات النظرية بالعملية. فلقد أورد الغزالي تجربته في الحصول على غاية العلوم وأسرارها، في كتابه القيّم "المنقذ من الضلال". وذكر ابن جماعة في كتابه" تذكرة السامع والمتكلم" الطريق الأمثل التي على المعلم أن يسلكه في طريقة توصيله لعلمه، وكذا آداب المتعلم في أسلوب تحصيل المعرفة.
كما ركز العرب في مؤلفاتهم على أهمية فهم المقروء، فلقد سئل أبو تمام: لما تقول من الشعر ما لا يفهم؟ فأجاب: لم لا تفهم ما يقال؟.
وشهد العصر الحديث ثورة علمية كبيرة، وكان لدراسة النص وفهمه، أكبرُ الأثر في تقدم الإنسان وحصوله على هذه الكنوز العلمية والمعرفية، فاتخذ الباحثون والدارسون المنهجية العلمية
وسيلة البحث في دراسة النص الأدبي، وجعلوا منها الطريق الأمثل في اكتشاف حقيقة الأشياء، عبر فهم النص أولاً، والدخول في عمق الحياة ثانياً.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل بدأنا نحن الدارسين العرب بالتعرف على منهجية العلوم؟ أم لا زلنا نبحث عن الطريق؟.
وهل هناك علاقة بين فشل مشروعنا العربي النهضوي الحالي وغياب منهجية دراسة النصّ الأدبي؟ نعترف بداية أننا أصبنا –نحن العرب –بعقم في أسلوب حياتنا منذ بدية العصر الحديث حتى وقتنا الحاضر. فبدلاً من البحث عن منهجية توصلنا إلى التعرف على الواقع السلبي الذي نعيشه، والاستفادة من مناهج الآخرين ومعارفهم؛ أصبحنا نعيش غياب الواقع، وانكماشه وانعدامه. وضبابية الرؤية المستقبلية. وأمسينا فريقين: فريقاً يعيش الماضي ويتقوقع فيه، وآخر يعيش حاضر غيره ويتزمل به.
من هنا تكمن أهمية استخدام منهجية الدراسة الأدبية، فما زال كثير من الدارسين يتصورون أن الدراسات العلمية هي التي تحتاج إلى مناهج. أما الدراسات الانسانية والاجتماعية والأدبية، فلا تحتاج للمنهجية، لذلك غاب القارئ المبدع واصيب النص الادبي بانتكاسة.
وعلى الرغم من وجود إضاءات في منهجية دراسة الأدب العربي بدأت تشق طريقها حديثاً، إلا أن هناك من الدارسين من حبس نفسه في دراساته النظرية. فلم يمزج بين معرفته للمناهج الأدبية الحديثة، وتطبيقها على النصوص، وتوصيلها إلى طلابه، ومنهم من لم يستطع أن يوفق بين الأصالة المعاصرة وبين إرث الأمة وحضارتها وبين متطلبات الحياة الحديثة، إضافة إلى ضعف معرفة المناهج الدراسية، وقلة المحصول في معرفة المناهج الحديثة لدى طلابنا في المدارس والجامعات.
لم تعد معرفة النص مجرد أداة للمعرفة، بل أصبح النص كما يقول علي حرب: " ميداناً معرفياً مستقلاً أي مجالاً لإنتاج معرفة تجعلنا نعيد النظر فيما كنا نعرفه عن النص والمعرفة في آن من هنا فهو يستأثر الآن باهتمام الباحثين، وينشغل به أهل الفكر على اختلاف ميادين علمهم ومجالات اختصاصهم. " (3)
¥