تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قيل إنه تعالى علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهدهم بها. وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به فإن قيل فاللغة فيها أسماء وأفعال وحروف وليس يجوز أن يكون المعلم من ذلك الأسماء وحدها دون غيرها مما ليس بأسماء، فكيف خص الأسماء وحدها؟ قيل اعتمد ذلك من حيث كانت الأسماء أقوى القُبُل الثلاثة‘ ولا بد لكل كلام مفيد منفرد من الاسم وقد تستغني الجملة المستقلة عن كل واحد من الفعل والحرف، فلما كانت الأسماء من القوة والأولية في النفس والرتبة على ما لا خفاء به جاز أن يكتفى بها عما هو تال لها ومحمول في الحاجة إليه عليها. قال ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيا وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة، قالوا وذلك بأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظا إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز عن غيره وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد وكيف يكون ذلك لو جاز وغير هذا مما هو جار في الاستحالة والتعذر مجراه، فكأنهم جاؤوا إلى واحد من بني آدم فأومؤوا إليه وقالوا إنسان إنسان إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا يد عين رأس قدم أو نحو ذلك فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيها وهلم جرا فيما سوى ذلك من الأسماء والأفعال والحروف، ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد والذي اسمه رأس فليجعل مكانه سر وعلى هذا بقية الكلام وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها لجاز أن تنقل ويولد منها لغات كثيرة من الرومية والزنجية وغيرهما وعلى هذا ما نشاهده الآن من اختراع الصناع لآلات صنائعهم من الأسماء كالنجار والصائغ والحائك والبناء وكذلك الملاح قالوا ولكن لا بد لأولها من أن يكون متواضعا عليه بالمشاهدة والإيماء، قالوا والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحدا على شيء إذ قد ثبت أن المواضعه لا بد معها من إيماء وإشارة بالجارحة نحو المومأ إليه والمشار نحوه قالوا والقديم سبحانه لا جارحة له فيصح الإيماء والإشارة منه بها فبطل عندهم أن تصح المواضعة على اللغة منه تقدست أسماؤه، قالوا ولكن يجوز أن ينقل الله تعالى اللغة التي قد وقع التواضع بين عباده عليها بأن يقول الذي كنتم تعبرون عنه بكذا عبروا عنه بكذا والذي كنتم تسمونه كذا ينبغي أن تسموه كذا وجواز هذا منه سبحانه كجوازه من عباده ومن هذا الذي في الأصوات ما يتعاطاه الناس الآن من مخالفة الأشكال في حروف المعجم كالصورة التي توضع للمعميات والتراجم وعلى ذلك أيضا اختلفت أقلام ذوي اللغات كما اختلفت ألسن الأصوات المرتبة على مذاهبهم في المواضعات فهذا قول من الظهور على ما تراه، إلا أنني سألت يوما بعض أهله فقلت ما تنكر أن تصح المواضعة من الله سبحانه وإن لم يكن ذا جارحة بأن يحدث في جسم من الأجسام خشبة أو غيرها إقبالا على شخص من الأشخاص وتحريكا لها نحوه ويسمعفي حال تحرك الخشبة نحو ذلك الشخص صوتا يضعه اسما له ويعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشخص دفعات مع أنه عز اسمه قادر على أن يقنع في تعريفه ذلك بالمرة الواحدة فتقوم الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المواضعة وكما أن الإنسان أيضا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المراد المتواضع عليه فيقيمها في ذلك مقام يده لو أراد الإيماء بها نحوه فلم يجب عن هذا بأكثر من الاعتراف بوجوبه ولم يخرج من جهته شيء أصلا فأحكيه عنه وهو عندي وعلى ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع كون مواضعة القديم تعالى لغة مرتجلة غير ناقلة لسانا إلى لسان فاعرف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير