ذلك.
يتبع ...
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[28 - 01 - 2008, 01:03 م]ـ
وقال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول وتبعه تاج الدين الأرموي في الحاصل وسراج الدين الأرموي في التحصيل ما ملخصه:
النظر الثاني في الواضع:
الألفاظ إما أن تدل على المعاني: (أ) بذواتها أو (ب) بوضع الله إياها أو (ج) بوضع الناس (د) أو بكون البعض بوضع الله والباقي بوضع الناس. والأول مذهب عباد بن سليمان، والثاني مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك، والثالث مذهب أبي هاشم، وأما الرابع فإما أن يكون الابتداء من الناس والتتمة من الله وهو مذهب قوم أو الابتداء من الله والتتمة من الناس وهو مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني.
والمحققون متوقفون في الكل إلا في مذهب عباد، ودليل فساده أن اللفظ لو دل بالذات لفهم كل واحد منهم كل اللغات لعدم اختلاف الدلالات الذاتية واللازم باطل فالملزوم كذلك واحتج عباد بأنه لولا الدلالة الذاتية لكان وضع لفظ من بين الألفاظ بإزاء معنى من بين المعاني ترجيحا بلا مرجح وهو محال وجوابه أن الواضع إن كان هو الله فتخصيصه الألفاظ بالمعاني كتخصيص العالم بالإيجاد في وقت من بين سائر الأوقات وإن كان هو الناس فلعله لتعين الخطران بالبال ودليل إمكان التوقف احتمال خلق الله تعالى الألفاظ ووضعها بإزاء المعاني وخلق علوم ضرورية في ناس بأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني ودليل إمكان الاصطلاح إمكان أن يتولى واحد أو جمع وضع الألفاظ لمعان ثم يفهموها لغيرهم بالإشارة كحال الوالدات مع أطفالهن وهذان الدليلان هما دليلا إمكان التوزيع.
واحتج القائلون بالتوقيف بوجوه:
أولها: قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها فالأسماء كلها) معلمة من عند الله بالنص وكذا الأفعال والحروف لعدم القائل بالفصل ولأن الأفعال والحروف أيضا أسماء، لأن الاسم ما كان علامة والتمييز من تصرف النحاة لا من اللغة ولأن التكلم بالأسماء وحدها متعذر.
وثانيها: أنه سبحانه وتعالى ذم قوما في إطلاقهم أسماء غير توقيفية في قوله تعالى (إن هي إلا أسماء سميتموها) وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية.
وثالثها: قوله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) والألسنة اللحمانية غير مرادة لعدم اختلافها ولأن بدائع الصنع في غيرها أكثر فالمراد هي اللغات.
ورابعها: وهو عقلي لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة، ويعود إليه الكلام ويلزم إما الدور أو التسلسل في الأوضاع وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.
واحتج القائلون بالاصطلاح بوجهين:
أحدهما: لو كانت اللغات توقيفية لتقدمت واسطة البعثة على التوقيف والتقدم باطل وبيان الملازمة أنها إذا كانت توقيفية فلا بد من واسطة بين الله والبشر وهو النبي لاستحالة خطاب الله تعالى مع كل أحد وبيان بطلان التقدم قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وهذا يقتضي تقدم اللغة على البعثة.
والثاني: لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علما ضروريا في العاقل أنه وضع الألفاظ لكذا أو في غير العاقل أو بألا يخلق علما ضروريا أصلا، والأول باطل وإلا لكان العاقل عالما بالله بالضرورة، لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكون الله وضع كذا لكذا كان علمه بالله ضروريا، ولو كان كذلك لبطل التكليف. والثاني باطل لأن غير العاقل لا يمكنه إنهاء تمام هذه الألفاظ. والثالث باطل لأن العلم بها إذا لم يكن ضروريا احتيج إلى توقيف آخر ولزم التسلسل.
[الجواب عن حجج أصحاب التوقيف]
والجواب عن الأولى من حجج أصحاب التوقيف: لمَ لا يجوز أن يكون المراد من تعليم الأسماء الإلهام إلى وضعها ولا يقال التعليم إيجاد العلم فإنا لا نسلم ذلك بل التعليم فعل يترتب عليه العلم ولأجله يقال علمته فلم يتعلم. سلمنا أن التعليم إيجاد العلم لكن قد تقرر في الكلام أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فعلى هذا العلم الحاصل بها موجد لله، سلمناه، لكن الأسماء هي سمات الأشياء وعلاماتها مثل أن يعلم آدم صلاح الخيل للعدو والجمال للحمل والثيران للحرث، فلم قلتم إن المراد ليس ذلك وتخصيص الأسماء بالألفاظ عرف جديد، سلمنا أن المراد هو الألفاظ، ولكن لم لا يجوز أن تكون هذه الألفاظ وضعها قوم آخرون قبل آدم وعلمها الله آدم.
وعن الثانية أنه تعالى ذمهم لأنهم سموا الأصنام آلهة واعتقدوها كذلك.
وعن الثالثة أن اللسان هو الجارحة المخصوصة، وهي غير مرادة بالاتفاق والمجاز الذي ذكرتموه يعارضه مجازات أخر، نحو مخارج الحروف أو القدرة عليها فلم يثبت الترجيح.
وعن الرابعة أن الاصطلاح لا يستدعي تقدم اصطلاح آخر بدليل تعليم الوالدين الطفل دون سابقة اصطلاح ثمة.
[الجواب عن حجج أصحاب الاصطلاح]
والجواب عن الأولى من حجتي أصحاب الاصطلاح: لا نسلم توقف التوقيف على البعثة لجواز أن يخلق الله فيهم العلم الضروري بأن الألفاظ وضعت لكذا وكذا.
وعن الثانية لم لا يجوز أن يخلق الله العلم الضروري في العقلاء أن واضعا وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني وعلى هذا لا يكون العلم بالله ضروريا. سلمناه لكن لم لا يجوز أن يكون الإله معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء. قوله (لبطل التكليف) قلنا: بالمعرفة، أما بسائر التكاليف فلا. انتهى.
يتبع ...
¥