وبعد هذه الآيات المباركات لا أظن مسلماً يعتز بإسلامه وإيمانه يستطيع أن يطلق للعنان لينال من تلك المقامات الرفيعة التي اختارها الله تعالى لتكون الشاهد على كتابه, إذ بهم أوصل الله دينه إلينا فهم معية رسول الله ? يسوؤه ما يسوؤهم ويسره ما يسرهم, وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده باذلين أنفسهم وأموالهم غير مكترثين بذلك.
وهذه الآيات ملزمة لكل المسلمين باتخاذ موقف سليم تجاه الصحابة الكرام? لأن الله تعالى يقول: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ? ().
والله سبحانه وتعالى قد عدّلهم وأمرنا بنزع الغل من صدورنا عن المؤمنين الذين سبقونا بالإيمان, فلا يسعنا بعد هذا أن نزنهم كما نشاء, أو كما تهوى أنفسنا إن كنّا صادقين في دعوانا بأنا مسلمون منقادون لأمر الله جل جلاله ومعتزون بكتابه ومهتدون بهدي نبيه ?.
رابعاً: عدالة الصحابة ? في السنة النبوية
لقد اشتملت السنة النبوية على أحاديث كثيرة تشهد بفضل الصحابة ? وتنص على احترامهم وإكبارهم, والأحاديث التي تتحدث عن الصحابة ? على نوعين: الأول يذكر الصحابة ? بشكل عام دونما تخصيص والنوع الثاني يمثل خصوصيات لبعض إفراد الصحابة ? المحيطين برسول الله ? أو الذين لهم مواقف معلومة أو صفات معينة.
ولا يسعنا في هذه الرسالة أن نتصدى لجميع تلك الأحاديث لأنها كما قلنا آنفاً كثيرة جداً إلى حد أن صنّف العلماء الأوائل فيها مصنفات كبيرة, فقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل في كتابه (فضائل الصحابة) ما يقارب الألفي حديث من تلك النصوص, لكننا سنكتفي بذكر طرف يسير منها, فإن مَن لا يكتفي بالقليل ولا يذعن لرسول الله ? من خلال ما صح عنه منها لن يجدِ معه الكثير مهما بلغ عدده.
ومن تلك النصوص قوله ? فيما رواه أبو سعيد الخدري ?: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) ().
وعنه ? أيضاً قال: قال رسول الله ?: (يأتي على الناس زمان فيغزو فئام () من الناس فيقولون هل فيكم من صاحب رسول الله ?؟ فيقولون نعم فيفتح لهم, ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله ?؟ فيقولون نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله ? فيقولون نعم فيفتح لهم) ().
وعن أبي بردة عن أبيه قال: قال النبي ?: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) ().
وعن عمران بن حصين ? قال: قال رسول الله ? (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن) ().
وعن عبدالله بن مسعود ? أن النبي ? قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) ().
وعن ابن عباس ? قال: سمعت علي بن أبي طالب? يقول: خرج علينا رسول الله ? فقال: اللهم ارحم خلفائي, قلنا يا رسول الله ? ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي يرون أحاديثي وسنتي ويعلمونها للناس) ().
وعن بريدة ? قال: قال رسول الله ?: (ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بُعث قائداً ونوراً لهم يوم القيامة) ().
وعن جابر ? قال: قال رسول الله ?: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) ().
وعن عبدالله بن مغفل المزني ? قال: قال رسول الله ?: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) ().
وعن عبدالله بن أبي أوفى ? قال: شكى عبدالرحمن بن عوف خالد بن الوليد فقال ?: لم تؤذِ رجلاً من أهل بدر؟ لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله, فقال: يا رسول الله يقعون فيّ فأرد عليهم فقال رسول الله ? لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار) ().
¥