فإن كان الأخ الكريم يريد فقه الشرع فليحذر من طلبه بقلم الدكتور السنهوري لأنه يرى - كأكثر رجال القانون - في الفقه الإسلامي ما يحسبه حقا من تاريخ الفكر القانوني، وأنه تطور بخبرات الفقهاء واهتمامات الأمراء، وليس بموفور النظر في أدلة الشرع، والعودة إلى الينابيع الصافية، وخلع ربقة تقليد الرجال من الأعناق، ناهيك عن أن قصده من النظر كما سأبين لاحقا ليس إحياء النظر الفقهي السديد ولكن تسويغ الخروج على الشرع وهجره بدعاوى الحداثة والتطور.
وإن كنت تبحث عن فقه القانون فإن الغالب في ظني أن الدكتور سليمان مرقس - أستاذ قانون نصراني مصري- أجدر بأن يكون هو - بمقاييس الفكر القانوني الوضعي- الفقيه، أما السنهوري فشارح، بل مما عجبت له أن كلام الدكتور مرقس عن الشريعة والفقه الإسلامي كأحد موضوعات نظرية القانون، وكلامه في المسئولية المدنية - الضمان- كان أقرب إلى روح البحث الفقهي الإسلامي، وأعمق في النظر، من كلام الدكتور السنهوري في كتاباته المختلفة عن الشريعة والفقه.
وعلى كل حال إليك ما ذكر الأخوان في موقع الكاشف فاعلمه واقرأ السنهورى فانتفع بتقسيماته، وتنبه بشبهه واعتراضاته، وأنت على بينة من حاله، عليه من الله ما يستحق.
قال الأستاذ مجيد خدوري: (وأثمرت جهوده في إدخال الإصلاح التشريعي وفق أسس علمانية)
وقال خدوري –أيضاً-: (يمكن أن يُعزى النجاح الملحوظ الذي أحرزه السنهوري إلى أنه بدأ بتطبيق أسلوبه في المواضيع التي تثير أقل قدر من معارضة العناصر المحافظة، أو التي لا تثير معارضة على الإطلاق، وبذلك تجنب عن حكمة، الخوض في قضايا مثيرة للجدل يمكن أن تورطه في نزاع مع العلماء … ولهذا السبب نحج السنهوري حيث فشل الآخرون)
وقال الدكتور محمد كامل ضاهر عن قوانين السنهوري: (إن المنحى الأساسي الذي ضمنه السنهوري في هذه الدساتير هو العلمنة؛ أي عدم جعل الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من مصادرها الرئيسية…).
وقال –أيضاً-: (لم يأخذ بهذا الفقه –أي الإسلامي- عندما أعد القانون المدني المصري عام 1948، وقاوم كل الاتجاهات التي طالبت باستنباط مبادئ هذا القانون من الشريعة الإسلامية، وأصر على اعتماد المناهج العلمانية الغربية…)
قلت: ولابد لمن يريد التعرف على جهود السنهوري في سبيل التمكين لقوانين الكفر من بلاد الإسلام أن يعلم الفكرة التي كان يعدها بمثابة التمهيد لقبول هذه القوانين، وهي مما استقاه من أتباع المدرسة العصرانية التي سبقته.
تقوم هذه الفكرة التي آمن بها السنهوري على خطوتين:
1 - (وجوب) تطويع الشريعة الإسلامية لتتوافق مع متطلبات العصر -مهما كانت-، وليس العكس!
2 - التفريق في الشريعة الإسلامية بين:
I- العبادات: وهذه لا تقبل –في نظره- الاجتهاد والتطور.
II- المعاملات: وهي ما تقبل الاجتهاد والتطور بين عصر وآخر.
ولتوثيق كل هذا سوف أنقل من كلام الرجل ما يشهد له؛ حتى لا يظن أحد أني أتجنى عليه:
-يقول السنهوري: (إن الشريعة الإسلامية هي شريعة الشرق، ووحي أحكامه، ومتى ألفنا بينها وبين الشرائع الغربية، فروح من الشرق وقبس من نوره يضئ طريقنا للمساهمة في نهضة الفقه العالمية) فالهدف إذاً (التأليف) بين الشريعة وقوانين الكفر!
ويقول: (أمران وددت ألا أموت قبل أن تكون لي قدم في السعي إلى تحقيقهما: فتح باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية حتى تعود شريعة حية يستقي منها الشرق قوانينه).
وستعلم قريباً إن -شاء الله- حقيقة هذا الاجتهاد الذي يسعى إليه!
-ويقول السنهوري: (إن القرآن الكريم والحديث الشريف هما الجزء المجموع من القانون الإسلامي. وعندي أن لتفسيرهما يجب اتباع قاعدة أساسية وهي أن جزءاً من أحكامهما عام يصلح في عموميته لكل زمان ومكان، ولهذا وضع.
وجزءاً آخر خاص بالزمن والمكان اللذين وضع فيه فلا يتعدى إلى غيرهما إلا إذا اتحدت الظروف والأسباب.
وفي القرآن الكريم نفسه ناسخ ومنسوخ، والنسخ هو قصر بعض أحكام جاءت في ظروف خاصة على هذه الظروف، واستبدال أحكام أخرى بها، بعد زوال الظروف التي اقتضتها.
¥