تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثالث: إفادة التتبع لاستعمالات الناقد لتلك اللفظة). انتهى.

وقال في الهامش تعليقاً على قوله (ولم أقصد إلى حصر ألفاظ الجرح والتعديل):

(ولسْتُ أرى ابتداع أمْرٍ كهذا أن يكون على سبيل الاستقصاءِ إلا مما يثْقُلُ به هذا العلمُ، فإنَّ المتعرضَ له الناظرَ في مصطلحات أهْله المشتغل به، المدمن للنظر في تراجم النقلة، لا يحتاج إلى أن يُتكلف له تتبع مثل ذلك، وهُو أمْرٌ لم يفعله المتقدمون، إنما شرحوا من تلك العبارات ما يُشكل وما يكثُر، وقد رأيت كتاباً حافلاً لشيخ فاضل جمع فيه تلك الألفاظ كالمستقصي، لكني استثْقلته للمبتدئ، واستبْعدتُ فائدته للمتخصص).

أقول: هذا الكلام فيه نظر من وجوه:

الأول: أن الناس – عند المحاققة - ليسوا منقسمين بالنسبة إلى علم الحديث إلى قسمين فقط: مبتدئ ومتخصص؛ وإنما يوجد منهم بين هاتين المرتبتين من المراتب المتفاوتة ما لا يعلمه إلا الله؛ وأما تقسيمهم إلى مبتدئ ومتخصص أو مجتهد ومقتصد، فذلك تقسيم إجمالي تقريبي قد يكون سائغاً مقبولاً في بعض المقامات، مع أنه مرفوض في مقامات أُخَر، منها هذا المقام الذي نحن بصدد بيانه.

الثاني: أن السلف بينوا لأهل عصرهم ما يحتاجونه، فعلينا أن نتابعهم في هذا المسلك فنبين لأهل عصرنا ما يحتاجونه، وهؤلاء، أهل عصرنا، يكادون يحتاجون – أي في علم الحديث - إلى بيان كل شيء راجع إلى هذا العلم أو متعلق بهم؟؟، وذلك لغرابة هذا العلم بين الناس وبُعد عهدهم به، وشدة انحرافهم في الجملة عنه؛ فأما إذا بينّا لهم ما بيَّنه السلف فقط مقتصرين عليه، فحينئذ يصح أن يقال لنا: إنكم لم تصنعوا شيئاً.

الثالث: لا تخفى شدة حاجة الناس اليوم إلى مزيد من البيان والتقريب والتسهيل للعلوم الشرعية، وبالطريقة الأنسب لهم، والأقرب إليهم؛ فضِيقُ الوقت وضعفُ الهمة وقلةُ العلم بلغة العرب والبعدُ عن أذواق المتقدمين ومعارفهم ومداركهم، وعدمُ معرفةِ عاداتهم ومناهجهم؛ كلُّ ذلك أدى إلى تزايد الحاجات إلى توضيح أمور كثيرة جداً كانت عند السلف من الواضحات الجليات؛ والله المستعان.

الرابع: لقد ذكر العلماء الحاجة إلى تصنيف يضم ألفاظ الجرح والتعديل أو سائر مصطلحات الحديث، أو طائفة منها؛ ومن ذلك ما يلي من كلماتهم.

قال الذهبي في (الموقظة) (ص82): (والكلام في الرواة محتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله؛ ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بيْنَ ذلك مِنْ عُرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة).

وقال ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص105): (وبينهما [أي أرفع عبارات التعديل وأسوأ عبارات التجريح] أمور كثيرة يَعْسُر ضبْطُها ---- وثَمَّ اصطلاحات لأشخاص [أي مختصة بهم] ينبغي التوقيف عليها).

وقال ابن حجر في (نزهة النظر) (ص111): (ومن المهم أيضاً معرفة أحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً ----؛ ومن أهم ذلك بعد الاطلاع معرفة مراتب الجرح والتعديل لأنهم قد يجرحون الشخص بما لا يستلزم رد حديثه كله).

يريد أن التضعيف على درجات فبعضه يستلزم رد حديث الراوي كله، وبعضه لا يستلزم ذلك، بل يقبل من حديثه ما تابعه عليه من كان مثلَه أو قريباً منه في حاله في الرواية؛ وهو يشير بذلك إلى وجوب التفريق الدقيق بين معاني عباراتهم المتقاربة أو المتشابهة.

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (2/ 109) وأشار إلى أن العراقي لم يقصد عند ذكره ألفاظ الجرح والتعديل في (ألفيته) إلى استقصاءها: (يعني من دون استقصاء، وإلا فمن نظر في كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم المذكور والكامل لابن عدي والتهذيب وغيرها ظفر بألفاظ كثيرة؛ ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها، مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً، لكان حسناً؛ وقد كان شيخنا [يعني ابن حجر] يلهج بذكر ذلك فما تيسر؛ والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم، لما عُرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن تُرشِدُ إلى ذلك).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير