رُخصَة الفِطر في سَفر رَمَضَانَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الآَثَارِ
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[04 - 11 - 03, 09:48 ص]ـ
انظر الحلقة الأولى و الثانية على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=13748
========= الحلقة الثالثة ===========
مجلة الجامعة الإسلامية. العدد: (52)
هل الفطر في السفر رخصة أم عزيمة:
بعد أن عرفنا مقدار المسافة التي يشرع فيها الفطر للمسافر إذا عزم على قطعها أو تجاوزها، ننتقل الآن إلى بيان مدى هذه المشروعية. وبمعنى أوضح، هل هذه المشروعية تقف عند حدها الأدنى، وهو الإباحة، فيكون المسافر له حرية الفطر مع القضاء في أيام أخر، أو الصيام مع الإجزاء بدون أدنى حرج عليه في فعل أي منهما؟ أو أن هذه المشروعية ترتفع عن هذا الحد إلى مستوى أعلى قليلا عن الإباحة، فتصل إلى حد الندب أو الأفضلية للفطر على الصيام، فيكون من صام في سفره قد ارتكب أمرا مكروها، والمكروه وإن كان لا يعاقب على تركه، لكنه لا يثاب على فعله، كما عرفه بذلك كثير من الفقهاء، أو أن هذه المشروعية للفطر ترتفع إلى درجتها العليا، فتصل إلى درجة الوجوب، فيكون الصائم قد ارتكب أمرا قد حرمه الشارع وبالتالي، يثبت لصومه حكم البطلان، ويجب عليه قضاء هذه الأيام التي صامها في السفر لعدم احتساب الشارع لها.
لبيان ما هو الحق في ذلك نقول:
نقل عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء عدم مشروعية الصيام في السفر، إلا أن بعضهم قد نقل ذلك عنه بلفظ الكراهة وبعضهم قد نقل عنه بلفظ عدم الإجزاء أو بوجوب القضاء.
فروى نافع عن ا بن عمر رضي اللّه عنهما "لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم" [1].
وقال ابن المنذر: كان ابن عمر وسعيد بن جبير يكرهان صوم المسافر وقال: روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إن صام قضاه" وقال: وروي عن ابن عباس قوله: " لا يجزئه الصيام" [2].
كما نقل عن عبد الرحمن بن عوف قوله: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" [3].
وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة، قال أخبرني عاصم بن عبيد اللّه بن عاصم عن ابن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة "أن عمر بن الخطاب أمر رجلا صام رمضان في السفر أن يقضيه، قال: وأخبرنيه عمرو بن دينار عن كلثوم بن جبر عن عمر" [4].
وروي عن أبي سعيد مولى المهري، قال: " أقبلت مع صاحب لي من العمرة فوافينا الهلال هلال رمضان فنزلنا في أرض أبي هريرة في يوم شديد الحر فأصبحنا مفطرين إلا رجلا منا واحدا، فدخل علينا أبو هريرة نصف النهار فوجد صاحبنا يلتمس برد النخل. فقال: ما بال صاحبكم؟ قالوا صائم، قال: ما حمله على ألا يفطر؟ قد رخص الله له، لو مات ما صليت عليه". قال الحافظ ابن حجر- عن هذا الأثر- "موقوف صحيح". ونقل محقق المطالب العالية، عن البوصيري قوله عنه: "رجاله ثقات" [5].
وقد نقل هذا القول أيضا- بالإضافة إلى سعيد بن جبير- عن عدد من التابعين، كالزهري والنخعي وغيرهما [6].
وقد ذهب إلى ذلك من الفقهاء بعض أصحاب داود الظهري والشيعة الإمامية كما أشرنا من قبل إلى ما قاله ابن حزم بشأن وجوب الفطر على الصائم المسافر إذا بلغ ميلا أو تجاوزه [7].
ويتلخص رأي هذا الفريق، بأن الفطر في السفر عزيمة فمن خالفها وصام فقد اقترف إثما ولا يعتد بما صامه شرعا ويجب عليه قضاء هذه الأيام بعد انتهاء رمضان وانقضاء سفره.
وأهم الأدلة التي استند إليها هذا الفريق ما يلي:
1 - قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: آية 185).
وجه الدلالة: من المعلوم أن هذه الآية محكمة بإجماع المسلمين لم يرد عليها نسخ ولا تخصيص وقد أَوجبت الصيام على من شهد الشهر صحيحا مقيما، وعلى من شهد الشهر وكان مريضا أو مسافرا، عدة من أيام أخر. ووجوب قضاء أيام السفر بعد رمضان يستلزم وجوب الفطر في رمضان أثناء السفر، وحتى لو عاند وخالف وصام، فإنه لا يعتد بذلك الصيام، بل يجب عليه قضاء هذه الأيام التي صامها [8].
¥