تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا فالمقصود الأعظم من ذكر الغفور- معرفاً كان أو نكرة إنما هو القصد إلى المغفرة، والدلالة عليها، وتوكيدها، وقد يفاد من الألف واللام فيها القصر، أو التعظيم أو غير ذلك من المعاني المستفادة من التركيب والسياق لكن الأصل في الاسم أياً كانت صيغته هو الدلالة على الصفة.

الأسماء الثلاثة بين مجيئها في

الفاصلة وتقدمها في الآية

جاءت الأسماء الثلاثة في الآيات القرآنية في جملة الفاصلة عدا ثلاثة مواضع، منها اسمه (غافر) وهو الاسم الذي ذكر مرة واحدة في القرآن الكريم، وجاء في بداية الآية الثالثة من سورة غافر من قوله تعالي (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) (غافر:3)

ثم ورد اسمه (الغفار) ضمن أول الآية في سورة طه رقم 82 وذلك قوله (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى).

ثم ورد اسمه (الغفور) ضمن أول الآية في موضع واحد وذلك في سورة الكهف رقم 58 وفيه: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف:58)

وقبل الوقوف على دلالة ذلك أود أن أقف على الفاصلة قليلاً.

[فالفاصلة هي الكلمة التي تكون آخر الآية، نظيرها قرينة السجع في النثر وقافية البيت في الشعر ..... أو هي الكلام المنفصل مما بعده،وقد يكون رأس آية وغير راس آية،وهي الطريقة التي يباين بها القرآن سائر الكلام،وتسمي فواصل لأنه ينفصل عندها الكلامان00

وما ثبت أن النبي وقف عليه دائماً تحققنا أنه فاصلة وما وصلة دائماً تحققنا أنه ليس فاصلة، وما وقف عليه مرة ووصلة أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة، أو لتعريف الوقف، واحتمل الوصل أن يكون غير فاصلة.]

ومعلوم أن عناية القدماء بختام الكلام لا تقل عن عنايتهم بمقدماته ولقد جرى القرآن الكريم على سنن العربية حين ختم آياته بهذه الفواصل، ولقد نظر العلماء إلى بعض التصرف في الكلام فوجدوا أن هذا التصرف إنما كان من أجل الفاصلة، ورعاية لها ... من ذلك مثلاً:

في قوله تعالي (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) (القمر:41).

قالوا: [أخر الفاعل من أجل الفاصلة .. وأخر الفعل من قوله (ومما رزقناهم ينفقون) البقرة 3 لتوافق رءوس الآي.

وتأخيرُ الاستعانة عن العبادة في قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5).

لأجل الفواصل، وألحقت الألف في كلمة (الظنونا) في قوله (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب:10) من أجل الفاصلة، أو كما يقولون [من أجل التناسب وإفراغ الكلام في قوالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع.]

مما يعني أن الاهتمام بالفواصل حدا بالعلماء إلى اعتبار بعض مواضع التقديم والتأخير، والزيادة، والنقص، والإفراد، والتثنية، وغير ذلك أنه من أجل الفواصل .. فلم كل هذا؟

لأن الفاصلة كأنها تلخيص لمراد الآية، وتعقيب عليها، وتعليل لها؛ لذلك ولغيره، كانت العناية بها، فوُضع لها إطارٌ نغمي خاص، وبُنيت بناءً خاصاً،

لإبراز ما فيها من عناصر الجمال، أو كما يقول صاحب كتاب الفاصلة في القرآن الكريم: إنها تمثل عنصر الجمال البارز في الآيات وهي قائمة على [قانون الإيقاع، وقانون العلاقات]

وهنا يبرز السؤال المهم:

إذا كانت الفاصلة قد حازت على هذا القدر من العناية فما وجه ختم الآيات بفاصلة تحوى أسماء الله الحسنى؟

إن القرآن الكريم وعد، ووعيد، وتبشير وتهديد، وإخبار، وإعلام وتشريع لأحكام ... وغير ذلك من الأمور التي يكثر دورانها في القرآن الكريم، والمعلوم أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يحمل صفة كأنما هي إيجاز لهذه المعاني، وبيان لها، فهو سبحانه الغفور، وكذلك هو العزيز .. هو العفوّ، وكذلك هو المنتقم .. هو الرءوف الرحيم، وكذلك هو القوي المتين ..

وكأن هذه الأسماء أختام وتوقيعات ربانية على المعاني التي في الآيات لتُوَثقها، وتعللها وتؤيدها، وتمنحها بعد التوضيح تأكيداً وبعد التعليل حسناً أكيدا، ولم لا، والنفس تأنس بهذه النغمات التي تبرزها الفواصل، فإذا كان هذه النغم ناشئاً من أسماء الله الحسنى كان الجمال أبهر، والحسن أزهر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير