تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى مشاهد القيامة داخل السورة كانت تُعرض في صورها العنيفة المرهوبة المخيفة متناسقة مع جو السورة كله، مشتركة في طبع هذا الجو بطابع العنف والشدة.]

كل ذلك لماذا؟

لأن السورة ترد في أغلبها على هؤلاء المعاندين المكذبين المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ولذلك يذكر فيها الحديث عن جدالهم مرة بعد مرة، وكأنه محور السورة ... فالرد على المكذبين بتنزيل القرآن من الله هو محور السورة حيث يقال:

(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) (غافر:4)

(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً) (غافر:35)

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) (غافر:69)

فكأنهم استكبروا واعتزّوا بعلمهم ... حتى قيل (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (غافر:83)

كل ذلك شكل دلالة (غافر الذنب).

فإذا انتقلنا من هذا السياق الكبير للسورة إلى السياق الصغير المحيط بالكلمة فإن الأمر يزداد تأكيداً، فاسمه (غافر الذنب) وضع داخل مجموعة من الأسماء بدأت باسمه العَلَم (الله) وختمت بتوحيده (لا إله إلا هو)

ولا يخفي ما في هذا البدء والختام من رهبة،وكأنها تهديد، ولذلك كان التعقيب بـ[إليه المصير]

ثم إن هذا البدء والختام اختصار لرحلة الخلق، كما أن المجيء بأول الأسماء بعد اسم الله كان باسم العزيز [والعزيز هو الممتنع فلا يغلبه شيء وهو القوي الغالب]

ثم ختمت الأسماء باسمه [ذي الطول] أي: ذي القدرة والهيمنة لأن [الطول في الأصل: الامتداد في الشيء]

وكأن المراد: [يغفر أو يعاقب]

فهو سبحانه [غافر الذنب وقابل التوب] و [شديد العقاب]

كما أن الاسم جاء علي صيغة [فاعل] وهي ليست مثل [فعول أو فعال] في اللغة،فـ[فاعل] بداية الفعل، ثم يزاد فيه فيقال [فعال أو فعول] 0

كما أن الاسم لم يخلص لحاله بل شبك بلفظ آخر وهو [الذنب]؛ ليكون الذنب حاضرا مع الاسم في الصورة، تشاهده العيون فكأنه لم يمح، كيف وهو حاضر أمام العيون؟

إذا روجع كل ذلك لتبين أن المغفرة هنا تحيط بها ظلال التهديد لمن كذبوا بتنزيل الكتاب من الله العزيز الحميد

ولما كان هذا ذنباً خاصًا جيء لهم بمغفرة خاصة إذا تابوا 00

هذه المغفرة مسبوقة بصفات القوة والغلبة، ومتبوعة بصفات القوة والغلبة حتى تكون في ركابهم ولا تخرج كثيرا عن طوعهم، ليراها كل ناظر من خلال هذا الجو المشحون بالغضب ليعلم أن التكذيب بنزول الكتاب ليس ككل ذنب إذ هو تكذيب بالمنزل والمنزل عليه معا فإن تاب ورجع فلا يحرم من المغفرة، وكأن المغفرة هنا ومضة ونسمة في جو عصيب.

مواضع ذكر هذا الاسم الجليل:

ورد هذا الاسم الجليل (غفّار) في خمسة مواضع، منها موضعان دون (ال) وذلك في سورتي طه ونوح، والثلاثة الباقية فيها ال، أي (الغفار) في سورة [ص –الزمر – غافر] وهاهي المواضع بالترتيب:

1 - (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82)

2 - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (صّ:66)

3 - (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5))

4 - (تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (غافر:42)

5 - (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح:10)


والنظر إلى هذا الترتيب في المصحف قد يشير إلى عدة معان منها:
1 - في البداية والختام جاء اسمه (غفار) دون (ال) وكأن المراد التعرف على الصفة في البدء والختام فجيء بها نكرة لتفيد الشيوع فعفو الله يسبق عقوبته ومغفرته تسبق غضبه.
2 - في البدء والختام جاء اسمه (غفار) دون التصاق باسم آخر فالمقصود إذن هذه الصيغة وحدها.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير