3/ الذي يظهر أن مِن أفضل الطُرُق العِلمية التي يمكن عن طريقها كشف مراد الأئمة في قرون الرواية وعهود الحِفظ وضبطِ الحديث، هو تتبع ما نُقِل عنهم من أحكام، ودراستها بتأنٍّ وِفق منهج علمي منضبط. لأنّ هؤلاء الأئمة جمعوا بين الرواية والحِفظ والعَمَل، وممارسة الحديث وجمع طًُرُقه، وكَشْفِ عِلله، ولمتأخِرِي أئمة هذه القرون مِيزة، وهي أن المصطلحات في أعصارهم قد بدأت تتخذ دلالات مُسْتَقِلّةٍ، وتسميات مستقلة مما زاد أحكامهم ووصفهم للأحاديث دِقّة على سابقيهم الذين قد لا يريدون المعنى الذي اصطلح عليه مَن بعدهم.
ومِن خلال ما سبق تتبيَّن لنا أهمية العناية بالحديث الحَسَن خاصة، وعند الإمام الدارقطني على نحو أخَصّ. ومن هنا حرصتُ على جمع الأحاديث التي وصفها الدارقطني في سَُنِنه وفي عِلَلِه بالحُسْنِ أو بوصف مقاربٍ له كقوله:" إسناده صالح " أو " لا بأس به "، أو ما جمع فيه بين الحَسَن وغيره كقوله: " حسن صحيح "، أو " حسن رواته ثِقات ".
دواعي اختيار الموضوع:
1/ ما لَفَتَ النظر مِن وجود أحكامٍ للدارقطني على جُمْلَةٍ كثيرة من الأحاديث في كتابيه السُّنَن والعِلل وصفها بالحُسن أو بلفظٍ مقاربٍ له. ومع ذلك لم أر في كتب المصطلح ما يمكن أن يُجَلّي مراده بذلك، ولم أر مَن خدمها أو تتبع مقصده فيها.
2/ ما وقع فيه بعض مَن كَتَب في هذا العِلم الجليل مِن حَمْلِ عبارات المتقدمين على معانٍ اصطَلَح عليها مَن بَعدَهم، ولا يُدفَعُ هذا الخلط بأمثَل من الدراسة المتأنية لمقاصد الأئمة بهذه الأوصاف، خاصة ما كان محل نزاع منها.
3/ ما يترتب على دراسة تلك الأحكام من الوصول إلى حُكم – ولو أغلبي – على حال بعض الرواة في تلك الأسانيد الذين لا نجد فيهم جرحاً ولا تعديلاً.
4/ الحكم بسماع بعض الرواة وتلقي بعضهم عن بعض – ولو على رأي الدارقطني – وذلك في حال ورود رواياتهم كذلك، وتحسينه لها مع تفردهم بها.
5/ التزوّد – شخصيّاً – من العِلم الشرعي في مجال الحديث النبوي إسناداً ومتناً
دراية ورواية، وإن ممارسة كُتُب مِثل الإمام الدارقطني ومقارنة كلامه بكلام أئمة آخرين؛ لَهُو مما أرجو نفعه، خاصة في مثل هذه المرحلة.
وقد قسَّمتُ البحث إلى أبواب وفصول ومباحث تندرِج تحت قسمين أساسين:
الأول: قسم الدراس النظرية.
الثاني: قسم الدراسة التطبيقية.
وتتكون الخطة تفصيلاً مما يلي:
مقدِّمة، وتمهيد، وقسمين، وخاتمة، وفهارس.
المقدمة، وفيها:
- أهمية الموضوع.
- أسباب اختياره.
- خطة البحث، ومنهج العمل في الرِّسالة.
التمهيد، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للدارقطني.
المبحث الثاني: نشأة مراتب الحديث.
الباب الأول: الدراسة النظرية، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: أشهر تعريفات المُحَدِّثين للحديث الحَسَن، ومنا قشتها.
الفصل الثاني: تعريف الإمام الدارقطني للحديث الحَسَن، ومصطلحاته فيه، وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأوّل: تعريفه للحديث الحسن.
- المبحث الثاني: المصطلحات المفردة عنده والموازنة بينها، وفيه خمسة مطالِب:
- المطلب الأول: قوله: (حسن) و (حسن الإسناد).
- المطلب الثاني: قوله: (حسن) و (لا بأس به).
- المطلب الثالث: قوله: (حسن) و (صالح).
- المطلب الرابع: قوله: (حسن) و (ثابت).
- المطلب الخامس: قوله: (حسن) و (أحسن طرقه) ونحوها.
المبحث الثالث: المصطلحات المركبة، ودلالتها عنده، وفيه أربعة مطالِب:
- المطلب الأول: قوله: (حسن صحيح).
- المطلب الثاني: قوله: (حسن متصل).
- المطلب الثالث: قوله: (حسن رواته ثقات).
- المطلب الرابع: ما نقله عنه الحُفّاظ من أحكام بالحُسْن، غير ما وقفتُ عليه.
الفصل الثالث: حكم الحديث الحسن عند الدارقطني وغيره من جهة القبول والرد وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: حكم الحديث الحَسَن عند الأئمة.
- المبحث الثاني: حكم الحديث الحَسَن عند الدارقطني.
الباب الثاني: الدراسة التطبيقية:
وتشتمل على دراسة الأحاديث التي حَكَم عليها الإمام الدارقطني بالحُسن، وِفق المنهج لتالي:
1/ نقل الحديث بسنده، وحكمه عليه، مع مقارنة ذلك بما نقله عنه غيره وإثبات الفروق إن وُجِدت.
2/ دراسة سند الدارقطني دراسة مفَصَّلَة.
3/ في تراجم الرِّجال أذكُرُ حكم الدارقطني عليهم – إن وُجِدَ – أولاً، ثم أقارِن بين قوله وأقوال غيره من حيث الموافقة والمخالفة، مع الترجيح بينهما.
4/ إذا لم أجِد للدارقطني كلاماً في الرَّجُل، وكان ثقة باتفاق أو ضعيفاً باتفاق فإني اذكُرُ حاله إجمالاً من خلال كلام المحققين في عِلم الرِّجال.
5/ وإذا لم أجِد للدارقطني كلاماً في الراوي، وكان مُختَلَفَاً فيه؛ فإني أُفَصِّلُ القول فيه بِذِكرِ كلام أئمة الجرح والتعديل، والموازنة والترجيح، على مقتضى قواعد هذا العِلم.
6/ بعد دراسة سند الدارقطني دراسة مُفصَّلَة أُخَرِّج الحديث من مظانه.
7/ إذا ترجَّح لي أن الحديث ضعيفٌ أو حَسَنٌ؛ فإني أحرِصُ على جمع متابعاته وما يُحتاجُ إليه من شواهد.
8/ أختِم الكلام على الحديث بِبَيان درجته – بحسب ما يظهر لي – مستعيناً بالله تعالى، ثم بالنظر في أقوال أهل العِلم بين يدي حُكمي.
9/ أختِم الرِّسالة بخاتمة أذكر فيها أهم نتائج البحث، ثم بالفهارس العِلمية.
كما قال بعد عدة فقرات:
8/ فيما يتعلق بالسنن: اعتمدتُ مخطوطة نفيسة لم أر أحداً ممن خدم الكتاب ذكر أنه رجع لها، وهي منسوخة ومُقابلة في سنة وفاة المؤلِّف.
إلى آخر فوائد أخرى كثيرة في هذه الرسالة، فهل من ماجد كريم يقوم بتصويرها لنا، لعلها تعين المشتغلين بالحديث على توضيح المراد من هذا المصطلح، الذي اختلف فيه الأئمة الحفاظ حتى قال عنه الحافظ الذهبي: «لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك»!
¥