تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُحَدّ، ولكان المخالف لما حد غير معلوم إذ كان التعظيم بفعل العبد المطابق لنيته حاصلاً، وليس كذلك اتفاقاً، فعلمنا قطعاً أن المقصود الشرعي الأول التعبد لله لذلك المطلوب، وأن غيره غير مقصود شرعاً … الخ.

ثم ذكر الإمام الشاطبي الدليل الثاني والثالث الذي يثبت القاعدة التي أرادها وهي أن "الأصل في العبادات التعبد" ومثال ذلك أن الشرع أمرنا بمطلق السجود فلو جاء رجل فقال: ألم يأمر الشرع بكثرة السجود؟ فالجواب: نعم، فيقول: إذن أنا سأسجد لله سجدة دون أن تكون هذه السجدة ضمن صلاة، أو سبب كسجود التلاوة، فهذا بالطبع محرم للقاعدة السابقة ألا وهي "الأصل في العبادات التعبد" ولا تتجاوز إلى غيرها، وليس هذا الذي أريد بيانه في بحثنا عن الوسائل، وإنما يتضح ذلك بالقاعدة الأخرى ألا وهي "الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني" بمعنى أننا في غير أمور العبادة ننظر إلى المعنى الذي من أجله شُرّع الفعل الفلاني فإذا وجدنا هذا المعنى موجود في غيره عدينا هذا الحكم له، وسيبين الإمام الشاطبي ذلك. فيقول الإمام الشاطبي: "وأما أن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني" فلأمور أولها: الاستقراء، فإنا وجدنا الشارع قاصداً لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معه حيث دار، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه المصلحة، فإذا كانت هناك مصلحة جاز كالدرهم إلى أجل يمتنع في المبايعة ويجوز في القرض، وبيع الرطب باليابس، يمتنع حيث يكون مجرد غرر وربا إذا كان من غير مصلحة ويجوز إذا كان فيه مصلحة راجحة، ولم نجد هذا في باب العبادات مفهوماً، كما فهمنا في العادات، وقال تعالى:

] ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [().

وقال:] ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [().

وفي الحديث "لا يقضي القاضي وهو غضبان" وقال: "لا ضرر ولا ضرار" وقال: "القاتل لا يُورّث" ونهى عن بيع الفرد، وقال: "كل مسكر حرام" وفي القرآن:

] إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر [().

إلى غير ذلك مما لا يحصى، وجميعه يشير بل يصرح باعتبار المصالح للعباد، وإن الأذن دائر معها أينما دارت مع مصالح العباد حسبما بينه مالك، فدل ذلك على أن العادات مما اعتمد الشارع فيها الالتفات إلى المعاني.

والثاني: أن الشارع توسع في بيان العلل والحكم في تشريع باب العادات كما تقدم تمثيله وأكثر ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض على العقول تلقته بالقبول، ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع المعنى لا الوقوف على النصوص، بخلاف العبادات، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك .. الخ ما قال الشاطبي.

أقول: ومما تقدم نستطيع أن نقول: "كل وسيلة لأمر شرعي فحكمها حكم ما يترتب عليها من المصالح" أو نقول: "الأصل في الوسائل النظر إلى مصالحها" وهذا مبين من كلام الشاطبي -رحمه الله- فمتى وجدنا وسيلة معينة ترتبت عليها مصلحة شرعية شرع العمل بها وإن لم يرد فيها نصٌّ خاصٌّ ولم يجر عليها عمل السلف، لأن هذه الوسيلة وإن لم نجد فيها نصاً خاصاً فإنا قد وجدنا فيها نصاً كلياً، وهي القاعدة التي أثبتها الشاطبي بالدليل الشرعي، وهي "أن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني" فإن قلت: كيف أستطيع أن أفرق بين أمور العادات أو العبادات؟ فالجواب: عن ذلك أنه إذا حدد الشارع الأمر بكيفية مخصوصة وجب اتباع هذا التحديد مثل ما حدد ركعات الصلاة، وأما إذا لم يحدد لنا كيفية معينة بل أمر بأمر مطلق كأمره بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تحديد كيفية لها فعند ذلك نعلم أن هذا الأمر من العاديات فعند ذلك نستطيع أن نقوم بأي وسيلة بشرط أن تكون هذه الوسيلة مؤدية إلى مصلحة شرعية، وهناك شرطاً آخر للوسائل بشرط أن تكون هذه الوسيلة مؤدية إلى مصلحة شرعية، وهناك شرطاً آخر للوسائل حتى تكون مشروعة وهو أن لا يكون المقتضى لها قائم في العهد النبوي فإن كان المقتضى قائماً ولم يعمل بها فلا يجوز العمل عند ذلك، لأن ترك السلف لها مع وجود المقتضى لها دليل على عدم اعتبار السلف لها، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وهنا يحتاج إلى توضيح بمثال لهذا الأمر والله المستعان على فتح مغالق القلوب لتدبر شرعه فأقول: من المعلوم أن رسول الله r كان ينزل عليه القرآن حسب الأحوال والمناسبات، ومع تكرار نزول القرآن الكريم ومع توفر وسائل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير