تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكتابة فإن النبي r لم يأمر بجمع القرآن الكريم البتة، فلما مات رسول الله r ووقعت الحروب وقُتل كثير من حفظة القرآن الكريم، اقتضى هذا أن يجمع القرآن في مصحف خشية إضاعته، واتفق الصحابة -رضي الله عنهم- في جمع القرآن الكريم، وجرى عليه عمل السلف بعد ذلك فإذا أخذنا هذا المثال، ودرسناه دراسة وافية، فسيتضح الأمر لنا إن شاء الله فنقول هنا إن الوسيلة التي اتخذها الصحابة وهي جمع القرآن لم يفعلها الرسول r ولا أمر بها لأن السبب الذي كان يقتضي جمع القرآن لم يكن موجوداً في العهد النبوي، لأن القرآن كان محفوظا ً في الصدور أكثر من حفظه لو كان في السطور، فعدم جمع رسول الله دليل على عدم مشروعية هذا الجمع، فإن قلت: ما الدليل على أن عدم جمعه دال على النهي وهو لم ينهَ عنه؟ قلت: الدليل هو تركه r لهذا الجمع لأن حفظ الدين واجب، فلو كان الجمع مشروع لفعله النبي، ولما أهمله لأن في جمعه حفظ للدين، فتركه لهذا الجمع دليل على عدم مشروعيته، وكما أن فعله واجب الاتباع فكذلك تركه واجب الترك. ولكن الصحابة -رضي الله عنهم- لما وجدوا في حال اقتضت هذه الحال جمع القرآن جمعوه لأن هذه الحال وهي فقد أكثر الحفاظ لم تكن موجودة في العهد النبوي، ولذلك نجد الصحابة كأبي بكر الصديق لما عرضوا عليه حفظ القرآن بجمعه أجابهم كيف أفعل فعلاً لم يفعله رسول الله r أو كما قال، فلما حدثوه بالمقتضى الذي وجد في زمانهم، وهو موت أكثر الحفاظ انشرح صدره لجمع القرآن الكريم، فأنت ترى أبا بكر احتج بعدم جمع الرسول للقرآن الكريم على ترك جمعه، فقال: كيف أفعل فعلاً لم يفعله رسول الله r فلما ظهر له المقتضى الذي لم يكن في زمن رسول الله r بادر -رضي الله عنه- إلى الأمر بجمعه فهنا نجد أن الصحابة نظروا إلى هذه الوسيلة وهي جمع القرآن من جهتين:

الأولى: من جهة ما ترتب على جمع القرآن من مصلحة.

الثانية: أن هذه المصلحة إنما وجد مقتضيها في زمنهم ولم توجد في زمن الرسول r فلذلك حملوا عدم فعله على حسب زمانه، حيث إذا لم يوجد مقتضى، أما في حالة وجود المقتضى الذي لم يكن قائماً من قبل فأنت ترى أنهم قاموا بالجمع. وحديث الجمع رواه البخاري.

فنحن نرى أن جمع القرآن ليس له دليل خاص وإنما دليله هو القاعدة العامة وهي أن الشرع أمر بقيام المصالح في الأمة، إذن فلا بد أن ننظر إلى الوسيلة باعتبارين: باعتبار الدليل الخاص، أي هل حدد النبي هذه الوسيلة بأمره أو فعله أم لا؟ فإذا لم نجد مشروعية هذه الوسيلة بدليل خاص فلا يجوز التسرع والحكم عليها بأنها بدعة بل يبقى أن ننظر هل للوسيلة دليل عام أي قاعدة عامة أم لا؟ فإذا وجدنا لها دليلاً عاماً، وقاعدة عامة، عملنا بها بالشرطين المتقدمين وبالشروط الأخرى التي ذكرها العلماء، والله أعلم.

يقول الإمام الشاطبي (المجلد الثاني، ص341): "وما أحدثه السلف وأجمع عليه العلماء لم يقع فيه مخالفة لما وضعه الشارع بحال بيان ذلك، إن جمع المصحف مثلاً لم يكن في زمان رسول الله r للاستغناء عنه بالحفظ في الصدور لأنه لم يقع في القرآن اختلاف يخاف بسببه الاختلاف في الدين وإنما وقعت فيه نازلتان أو ثلاثة: كحديث عمر بن الخطاب مع هشام ابن حكيم -رضي الله عنهما- وفيه قال عليه الصلاة والسلام: "لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر" فحاصل الأمر أن جمع المصحف كان مسكوتاً عنه في زمانه عليه الصلاة والسلام ثم لما وقع الاختلاف في القرآن وكثر حتى صار أحدهم يقول لصاحبه أنا كافر بما تقرأ به وصار جمع المصحف أمراً واجباً ورأياً رشيداً في واقعة لم تحدث في الزمان المتقدم لم تكن بدعة وهو باطل باتفاق لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم لقواعد الشريعة وإن لم يشهد له أصل معين وهو الذي يسمى المصالح المرسلة .. " الخ ما قال رحمه الله.

وقال الشاطبي -رحمه الله- الجزء الثاني، ص409): "والجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشارع السكوت عن شرع التسبب أي عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له وبيان ذلك أن السكوت عن الحكم على ضربين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير