وأما المسألة التي أثارها المؤلفان وهي تحتاج إلى بسط قولهما: "إن منهج جماعة التبليغ الاحتجاج بالحديث الضعيف".
وجواب ذلك كالآتي:
يقول الشيخ زين العابدين عندما سألته ما رأيكم بالاحتجاج بالحديث الضعيف واستعماله؟
قال: لا. في الصحيح كفاية، فَلِمَ نستعمل الضعيف؟ فنحن لسنا بحاجة له!
قلت: فما رأيكم إذا سمعنا أحد الأحباب يحدث بحديث ضعيف هل نُنبهه؟
فقال: نعم الأولى أن تنبهوه.
وسألت الشيخ أحمد لات: ما رأيكم باستعمال الحديث الضعيف؟
فقال: لا بأس استعملوه في الفضائل ولكن بالشروط التي بينها أهل العلم
قلت: وما رأيكم باستعماله في المسائل؟
فقال: لا.
ويقول الشيخ بالمبوري وبعد أن بين أننا في الدعوة نقرأ الفضائل حتى نترغب لعلم المسائل فمن هذه الكتب:
1 - رياض الصالحين.
2 - الأدب المفرد.
3 - الترغيب والترهيب.
ثم قال الشيخ بالمبوري بعد ذلك: "وهذه الأحاديث كما يعلم أهل العلم فيها الضعيف، والحديث الضعيف حصل فيه إفراط وتفريط، فبعضهم ينفر من اسم الضعيف، وبعضهم يأخذ كل الضعيف، فلو أخذنا بكل الضعيف فنصبح على شك، ولو تركنا كل الضعيف فيكون قد فاتنا خير، فالحل هو أن نستعمل الحديث الضعيف في الفضائل ولا ننسبه إلى النبي r بصيغة الجزم أو نعتقد صحته، فالحديث الضعيف قد يكون من أقوال النبي وقد لا يكون" أ. هـ.
هذا هو منهج جماعة التبليغ تجاه استعمال الحديث الضعيف في الفضائل، وهناك فرق بين استعمال الحديث الضعيف في الفضائل مع مراعاة شروط أهل العلم في الحديث. ويجدر بي هنا أن أنقل بعض أقوال أهل العلم تجاه العمل بالحديث الضعيف في الفضائل كالترغيب والترهيب ومكارم الأخلاق والزهد.
يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في شرح علل الترمذي: "أما ما ذكره الترمذي: من أن الحديث إذا انفرد به من هو متهم بالكذب أو هو ضعيف في الحديث لغفلته وكثرة خطأه، ولم نجد ذلك الحديث إلا من حديثه فإنه لا يحتج به". فمراده أنه لا يحتج به في الأحكام الشرعية والأمور العلمية، وإن كان قد يروى حديث هؤلاء في الرقاق والترغيب والترهيب، فقد رخص كثير من أهل العلم في رواية الأحاديث الرقاق ونحوها عن ضعفاء منهم: ابن مهدي وأحمد بن حنبل، وقال داود بن الجراح: سمعت سفيان الثوري يقول:
لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشائخ.
قال ابن أبي حاتم: ثنا أبي ثنا عبدة قال: قيل لابن المبارك - وروى عن رجل حديثاً - فقيل: هذا رجل ضعيف؟
فقال: يُحتمل أن يُروى عنه هذا القدر ومثل هذه الأشياء.
قلت لعبدة: مثل أي شيء؟
قال: في أدب، موعظة، في زهد.
وقال ابن معين في موسى بن عبيدة: يكتب حديثه في الرقائق.
وقال ابن عيينة: لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنّة، واسمعوا ما كان في ثوابٍ وغيره.
وقال أحمد في ابن إسحاق: يُكتب عنه المغازي وشبهُها.
وقال ابن معين في زياد البكّائي: لا بأس في المغازي وأما في غيرها فلا.
وإنما يروى في الترهيب والترغيب، والزهد والآداب، أحاديث أهل الغفلة الذين لا يتهمون بالكذب، فأما أهل التهمة فيطرح حديثهم، كذا ذكره ابن أبي حاتم وغيره". أ. هـ.
قلت: فيما تقدم يظهر أن من تقدم من أهل العلم يرون جواز الرواية عن الضعفاء غير المهتمين بالكذب في الزهد والآداب.
هكذا يدّل على ذلك ما قاله ابن معين في موسى بن عبيدة أنه: يُكتب حديثه في الرقائق مع العلم أن ابن معين يقول في موسى بن عبيدة (): أنه لا يُحتج به، ومرة قال: ليس بشيء، ومع ذلك قال فيه: يُكتب حديثه الرقائق مما يدل على أن ابن معين يرى جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق.
وكذلك ما ذكرته عن ابن عيينة في قوله عن بقية "لا تسمعوا من بقية ما كان في سُنّة، واسمعوا ما كان في ثوابٍ وغيره".
قلت: وهذا واضح لا يحتاج إلى تعليق.
ويقول ابن كثير -رحمه الله-: "ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب، والقصص والمواعظ، ونحو ذلك إلا في صفات الله -عز وجل-، وفي باب الحلال والحرام".
قال: "وممن يُرخّص في رواية الضعف -فيما ذكرنا- ابن مهدي وأحمد بن حنبل -رحمهما الله-".
¥